اليمن محور إفشال المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة.
بقلم_د محمد حسن الرقيمي
تعيش المنطقة العربية هذه الأيام واقعاً شديد التعقيد في ظل تصاعد وتيرة العدوان الأمريكي الصهيوني الذي يستهدف جبهات رئيسية وفي صدرها غزة واليمن وسوريا هذا العدوان ليس مجرد رد فعل عابر بل حلقة من مشروع قديم متجدد تسعى من خلاله الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل إلى إعادة تشكيل الخارطة السياسية والجغرافية للشرق الأوسط بما يخدم مصالح الهيمنة الغربية ويكشف أطماع السيطرة على موارد المنطقة وثرواتها واستنزاف شعوبها ويأتي هذا المخطط امتداداً لنهج استعمارية استخدمت فيه واشنطن كل أدواتها من القوة العسكرية والضغوط الاقتصادية والتحريض الإعلامي وتمويل الجماعات المسلحة واستغلال بعض الأنظمة الحليفة لتمرير مشاريع التطبيع وتصفية القضية الفلسطينية.
العدوان على غزة يمثل جوهر هذه المخططات حيث يتعرض الشعب الفلسطيني لمجازر وتطهير عرقي يهدف إلى محو هويته واقتلاعه من أرضه مستغلة إسرائيل الدعم الأمريكي غير المحدود سياسياً وعسكرياً ومالياً ودبلوماسياً في ظل صمت دولي يرقى إلى التواطؤ بل والمشاركة في هذه الجرائم التاريخية.
وفي قلب هذه المعركة الإقليمية يظهر اليمن كلاعب محوري في قلب موازين الصراع حيث لم يكتف بالموقف السياسي أو التضامن الإعلامي بل انتقل إلى الفعل العسكري المباشر الذي أربك حسابات القوى الكبرى وأعاد رسم خارطة الردع في الشرق الأوسط اليمن الذي ظل هدفاً لمشاريع الهيمنة منذ عقود بسبب موقعه الجغرافي وثرواته حاولت واشنطن فرض سيطرتها عليه عبر الدعم العسكري والاستخباراتي للسعودية والإمارات إلا أن ثورة واحد وعشرين سبتمبر بقيادة أنصار الله أسقطت نظام الوصاية وغيرت المشهد الاستراتيجي فخسرت أمريكا مركز نفوذها وسعت للعودة عبر العدوان والتغلغل في الجنوب والساحل.
ورغم شدة الهجمات تمسك اليمنيون بخيارات المقاومة ومع اندلاع المواجهة في غزة تحرك اليمن عسكرياً واقتصادياً فأغلق باب المندب أمام سفن الاحتلال وواشنطن مما أربك حركة التجارة العالمية ورفع كلفة الحرب على الجميع هذا التحرك لم يكتف بالرمزية بل هشّم صورة الهيمنة الأمريكية وبات الإسناد اليمني لفلسطين عنواناً لتغيير قواعد الاشتباك الإقليمي.
يكمن سر الدور اليمني الفاعل في امتلاك قرار مستقل وروح شعبية مقاومة وقدرة على تطوير أدوات المواجهة وفرض تأثير إقليمي ملموس يمنع استفراد أمريكا وإسرائيل بالممرات الدولية ويربط استمرار العدوان على الشعوب بالمصالح الحيوية الكبرى للعالم الغربي وبذلك أصبح اليمن رقماً صعباً في معادلة إفشال المشروع الاستعماري الجديد.
أما في سوريا فتتجلى ملامح المخطط الصهيوأمريكي عبر الغارات الجوية ومحاولة إضعاف الدولة وتفتيتها عبر دعم الفصائل المتناحرة في ظل سعي التحالف الأمريكي الإسرائيلي إلى تفريغ أي قوة عربية قادرة على المواجهة وفرض مشاريع التقسيم لتعزيز تفوق إسرائيل أمنياً وسياسياً واقتصادياً.
تتمحور دوافع المشروع الصهيوأمريكي حول السيطرة على مصادر الطاقة والممرات المائية الحيوية وضمان أمن إسرائيل عبر تفكيك المحيط المقاوم في سبيل ذلك اعتمدت واشنطن وتل أبيب على أدوات الفوضى المسلحة وحروب الوكالة والتطبيع الإعلامي والعسكري إلى جانب تحالفات مكشوفة مع أنظمة عربية تخدم المخطط الإسرائيلي.
لكن هذه المخططات تصطدم بعوائق كبرى أبرزها صمود الشعوب المقاومة وظهور قوى منظمة لديها قرارها وسلاحها كما في غزة واليمن ولبنان كذلك فإن التحولات الدولية أضعفت من سطوة الهيمنة الأمريكية وفتحت المجال أمام قوى مثل روسيا والصين لتشكل ثقلاً موازناً مما يعقّد تنفيذ أي مشروع استعماري في المنطقة.
رغم امتلاك أمريكا وإسرائيل لتفوق عسكري وتكنولوجي فإن معسكر المقاومة يرفع كلفة العدوان ويعيد رسم خارطة الاشتباك فصمود اليمن وغزة ولبنان وسوريا لم يوقف فقط العدوان بل أعاد الروح للشعوب الحرة وأثبت أن مشروع الهيمنة قابل للهزيمة متى ما توفرت الإرادة والموقف المستقل.
وهكذا يظل مستقبل الشرق الأوسط معلّقاً بين مشروعين مشروع هيمنة يقوده الغرب ومشروع مقاومة يتشكل من نبض الشعوب بقيادة من لم يركن للهيمنة ولم يساوم على كرامته وحقه في تقرير مصيره.