الكوت تبكي أبناءها.. فاجعة هايبر ماركت
بقلم _ وليد الطائي
في ليلة حزينة خيم فيها السواد على مدينة الكوت، انطفأت أرواح بريئة في حادثة مأساوية التهمت فيها النيران أحلام شباب في عمر الزهور، داخل هايبر ماركت. لحظة واحدة كانت كافية لتتحول أمسية اعتيادية إلى كارثة إنسانية يئن لها قلب كل عراقي، وتدمع لها عيون الأمهات في كل بيت.
ما حدث ليس مجرد حريق، بل جرح عميق في ضمير هذا الوطن الموجوع أصلًا، جرح اسمه الإهمال، والفساد، وغياب الرقابة، وعدم احترام قيمة الإنسان العراقي، الذي يبدو وكأنه وُجد ليُفجع فقط، إما بانفجار، أو بحريق، أو بسوء خدمات، أو بخذلان الدولة لمواطنيها.
هؤلاء الشباب الذين لقوا حتفهم حرقًا، لم يكونوا إلا أبناءنا وإخوتنا، خرجوا في عطلة نهاية الأسبوع ليتناولوا الطعام ويضحكوا قليلًا، ولم يعلموا أن موعدهم مع القدر سيكون في مكان عام بلا أبسط إجراءات السلامة. قلوبنا معهم، ونترحم على أرواحهم الطاهرة، ولكن هل يكفي الحزن وحده؟ وهل تُغلق الحكاية بتعزية ودمعة وبيان خجول؟
هذه الفاجعة المؤلمة تفرض علينا أن نصرخ عاليًا: إلى متى يبقى المواطن العراقي أرخص ما في هذا البلد؟ إلى متى ندفن أبناءنا في حوادث متكررة لا يتغير بعدها شيء؟ أين دور الجهات الرقابية؟ من المسؤول عن منح تراخيص لمجمعات تجارية لا تملك مطفأة حريق؟ من يراقب التوصيلات الكهربائية العشوائية، ومن يفتح أبواب الهرب لمن يحترقون؟
لن ننسى أبناء الكوت الذين احترقوا في صمت، ولن نسمح أن تكون هذه مجرد حادثة تُطوى في أرشيف النسيان، كما طُويت قبلها فواجع المستشفيات والناقلات والمولات والأسواق.
رحم الله الضحايا، وألهم ذويهم الصبر، لكن الرحمة وحدها لا تكفي. نحن بحاجة إلى ثورة أخلاقية ورقابية، تُعيد للإنسان العراقي كرامته وقيمته وحقه في الحياة بسلام.
الكوت حزينة.. والكوت غاضبة.. والعراق كله يبكي أبناءه.