أحاديث منسوبة لأمير المؤمنين عليه السلام لم نعثر لها على مصدر

بقلم _ د. محمد العبادي

من يقرأ كلمات أمير المؤمنين عليه السلام يجد أنّ ظاهرها أنيق وباطنها عميق، لأنّه يتحدث من أفق البلاغة الأعلى ومعدنها الأصفى .

في عصره عليه السلام وما بعد عصره اهتزت له المنابر لفصاحته، وتعلمت الأجيال من فيض حكمته. أتخطر في مرة قرأت لحميد الكاتب كلمة صدح فيها بالحقيقة، قائلاً : « حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع [ يقصد الإمام علي عليه السلام] ففاضت ثم فاضت].

وأستحضر بهذه المناسبة ما قاله ميخائيل نعيمة في حق الإمام عليه السلام إذ قال فيه : « سيد العرب على الإطلاق بلاغة وحكمة وتفهماً للدين …فأنا ما عرفت في كل من قرأت لهم من العرب رجلاً دانت له اللغة مثلما دانت لابن أبي طالب…وكأنّه البحر يقذف بتلك اللآلئ دونما عنت أو عناء…» .

لقد وجدت كثير من الأحاديث المنسوبة لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) تلوح عليها علامات الوضع ، وتنتشر على الشبكة العنكبوتية، وقد بحثت في مئات الكتب الحديثية، وفي كتب السير والتراجم ، وفي نهج البلاغة وشروحه ومستدركاته، ولم أعثر على أثر لها؛ الأمر الذي يشير إلى بطلان تلك النسبة، وأنّها ليست من معين علي ( عليه السلام)، ولا من نمير علمه الصافي.

لا ندري ما هي دوافع أولئك الذين ينسجون وينسبون؛ هل هي دوافع عاطفية أو بحسن نية، أم هي دوافع آيديولوجية وعدائية ؟

على كل حال؛ فإنّ نسبة الأقوال إلى الإمام عليه السلام تشكل علامة على تحريف الشخصية ذاتها، ونحن نعلم ما يتداعى عند تحريف الشخصية في الانتقال بعد ذلك إلى المساس بجوهر القدوة ومكانته في الوعي الجمعي والتاريخي .

وفيما يلي أذكر تلك الأحاديث التي صادفت بعضها والتي ألبسوها لباساً منمقاً، ونسبوها إلى الإمام عليه السلام :

1ـ « اجعل علاقتك سطحية مع الجميع، ولا تتعلق بأحد فلا أحد يبقى لأجلك. الكل يبقى حسب حاجته إليك، ويبقى الله حين لا يبقى أحد ».

2ـ « يقول الإمام علي ( عليه السلام): « يبعدك الله عمن تحب ليريك من يحبك».

3ـ « لا تكثر من الشكوى فيأتيك الهم، ولكن أكثر من الحمد تأتيك السعادة ».

4 ـ « سئل علي بن أبي طالب( عليه السلام) من هو الأفضل أخوك أم صديقك؟ قال: ” ما أحلى أخي أن يكون صديقي، وما أحلى صديقي أن يكون أخي” ».

5ـ « القلب الجميل أحلى من الوجه الجميل، وطهارة الضمير أجمل من ثياب الحرير».

6 ـ « لا تثق في شمس الشتاء، ولا في قلب النساء، ولا في الدنيا فإنّها دار فناء، ولكن ثق في أخ لم تلده أمك، ولكن ولدته لك الأيام ».

7ـ « في ملابس الرجل تظهر نظافة المرأة، وفي ملابس المرأة تظهر رجولة الرجال، وفي ملابس البنات تظهر أخلاق الأم ».

8ـ « قال الإمام علي عليه السلام: لن يقاسمك الوجع صديق، ولن يتحمل عنك الألم حبيب، ولن يسهر بدلاً منك قريب. اعتني بنفسك واحمها ودللها، ولا تعطي الأحداث فوق ما تستحق. تأكد حين تنكسر لن يرممك سوى نفسك، وحين تنهزم لن ينصرك سوى ارادتك، فقدرتك على الوقوف مرة أخرى لا يملكها سواك، لا تبحث عن قيمتك في أعين الناس ابحث عنها في ضميرك. إذا ارتاح الضمير ارتفع المقام، وإذا عرفت نفسك فلا يضرك ما قيل فيك . لا تحمل هم الدنيا فإنّها لله، ولا تحمل هم الرزق فإنّه من الله، ولا تحمل هم المستقبل فإنّه بيد الله. فقط احمل هماً واحداً كيف ترضي الله …»

9ـ « ليس عيباً أن تأكل رغيف خبز مع الماء في بيتك العيب أن تأكل الحرام وتشبع به أهلك».

10ـ « كل يراك بعين طبعه فلاتنتظر من الخبيث أن يراك نقياً، ولا من البخيل أن يراك كريماً، ولا المنافق أن يراك صادقاً».

11ـ « لا تسيء الظن بشخص صامت فربما لو قرأت ما داخله لوجدت أنّه يود لك الخير أكثر من المنافقين حولك» .

12ـ « كلمة الرجل موثقه، وموثق الرجل شرفه، ومن لا كلمة له لا شرف له».

إنّ نسبة الأقوال إلى الإمام (عليه السلام) وإن جرت تحت عنوان الحب أو بحسن نية ظاهرة، لكن تسلل تلك الأقوال يؤدي إلى تحريف الكلمة. إنّ عدم وجود مثل هذه الأحاديث في المصادر الحديثية يمثل قرينة صارخة على بطلان نسبتها، ونشكك تشكيكاً جدياً في صدورها عنه.

إنّ صيانة المنهج العلوي لايتحقق بتكثير المنقولات ولا بتزيين الصفحات بأقوال لا أصل لها بجذور أرض النص، وإنّما بصيانة النص الصافي من التحريف والتزييف، ولتكن أمانة النقل عنه عهد وفاء لا تخونه الألسن، وميثاق علم لا تنقضه الأهواء لكي يبقى نوره مضيئاً في طريق العدل العلوي .