الدروز بين تقلبات الزعامة وتحديات البقاء:من السويداء إلى لبنان… جنبلاط يتراجع ووهاب يصعد..
بقلم _ إسماعيل النجار
تشهد الطائفة الدرزية في كلٍّ من لبنان وسوريا تحولات جوهرية تتجاوز الأطر الطائفية التقليدية، لتلامس عمق التغيير في البنية السياسية والاجتماعية داخلها. فمن جبل العرب في السويداء السورية، حيث يتبلور شكل جديد من المقاومة المحلية المستقلة الباسله، إلى جبل لبنان، حيث تعيد الطائفة النظر في ولاءاتها التاريخية، لا سيما تجاه الزعامة الجنبلاطية التي تمرّ اليوم بأضعف مراحلها منذ اغتيال كمال جنبلاط عام 1977. اللافت أن التراجع الجنبلاطي يترافق مع صعود ملحوظ لشخصيات درزية بديلة، أبرزها الوزير السابق وئام وهاب، الذي ينجح تدريجياً في كسر احتكار التمثيل السياسي، وسط تموضعٍ ثابت للمير طلال أرسلان بين الرمزية التاريخية والجمود السياسي.فهل نشهد بداية مرحلة ما بعد الجنبلاطية؟ وهل يتمكن وئام وهاب من ترجمة صعوده الإعلامي إلى مكاسب سياسية حقيقية؟ وما هي مكانة الدروز في معادلات ما بعد الانهيارين السوري واللبناني؟
أولاً: السويداء… دروز سوريا يعيدون رسم حدود الكرامة.
فمنذ اندلاع الانتفاضة السورية عام 2011، تبنّت الطائفة الدرزية في السويداء موقفًا حذرًا، أقرب إلى الحياد، قبل أن تتبدل المواقف مع تفاقم الانهيار الأمني والاقتصادي. خلال السنوات الأخيرة، أفرزت محافظة السويداء ظاهرة لافتة تمثّلت بصعود قوى محلية مسلحة، أبرزها “رجال الكرامة”، التي تقود اليوم مقاومة أهلية ضد تغوّل أجهزة النظام السوري الجديد،.
هذه المقاومة لا تنطلق من أجندة سياسية تقليدية، بل من دوافع كرامية وأخلاقية تهدف إلى حماية أهل الجبل وفرض الاستقلال الذاتي في القرار المحلي. وبينما تتخبط دمشق في وحول أزماتها، يُعيد دروز السويداء التذكير بأنهم أبناء سلطان باشا الأطرش، ويصيغون مشهدًا درزياً متمايزًا عن المربعات الطائفية المذهبية السائدة في سوريا.
ثانيًا: الزعامة الجنبلاطية… على حافة الأفول في لبنان، لأننا لا يمكن تجاهل حجم التحولات التي تشهدها الطائفة الدرزية، والتي كان أبرز مؤشراتها تراجع تأثير وليد جنبلاط، الزعيم التقليدي للطائفة، إثر تنحيه عن رئاسة الحزب التقدمي الاشتراكي وتسليمها إلى نجله تيمور فجنبلاط الأب، الذي لعب لعقود دور بيضة القبان في السياسة اللبنانية، يواجه اليوم مأزقًا ثلاثي الأبعاد:
أولاً: تراجع دوره الإقليمي مع تبدل العلاقات السورية واللبنانية.
ثانيًا: اهتزاز صورته في الأوساط الشعبية نتيجة التحالفات المتقلبة ومواقفه الرمادية.
ثالثًا: فشل نجله في كسب ثقة القواعد الجبلية، إذ ما زال تيمور يظهر بصفته امتدادًا اسمياً لا قيادةً فعلية والمجتمع الدرزي، الذي لطالما حافظ على وفائه لآل جنبلاط، بدأ يبحث عن تمثيل أكثر حيوية يتقاطع مع طموحات الشباب والطبقة الوسطى الساخطة على الأداء السياسي التقليدي بعدما برز دور الوزير وئام وهاب من الهامش إلى المشهد الأول؟ هذا الرجل منذ مطلع الألفية برز كصوت معارض لجنبلاط داخل البيت الدرزي، وراهن على خطابه المباشر والبسيط، وقربه من دمشق وحزب الله. في العقد الأخير، نجح في فرض نفسه كلاعب أساسي، حتى دون أن يمتلك كتلة نيابية وازنة وما يميّز وهاب هو مرونته الإعلامية، ومقاربته الشعبوية التي تلامس المزاج الشعبي الدرزي الغاضب من فساد النظام اللبناني وتهميش الطائفة في الدولة.
وهو يحظى بحضور قوي في قرى الشوف وعاليه وراشيا، ويبدو أنه يسير بخطى ثابتة نحو خوض انتخابات أكثر تنافسية في المرحلة المقبلة. وإذا ما نجح في التحالف مع قوى معارضة أو تيارات تغييرية، فقد يتمكن من اختراق الحصن الجنبلاطي المتصدع بسبب مذابح السويداء التي ارتكبها المجرم الجولاني.
أما الزعيم التقليدي طلال أرسلان الذي حافظ على ثقل سياسي تاريخي رغم أعباء الحلفاء والذي يعتبر الوريث السياسي للعائلة الأرسلانية العريقة، لا زال يحافظ على حضوره الرمزي ضمن شريحة محافظة من الدروز. لكن مشكلته تكمن في ثباته المفرط واعتماده شبه الكامل على رافعته السياسيه التقليدية من دون تحقيق أي إنجاز جديد يقدمه لطائفَتهِ في لبنان.
حادثتا قبرشمون وخلدة، وما رافقهما من استهداف مباشر للدروز، أضعفت موقع أرسلان، الذي لم ينجح في لعب دور المدافع الفعلي عن الكرامة الدرزية، بل اكتفى بالتحذير والدعوة إلى ضبط النفس، ما أضعف صورته لدى الشباب والفعاليات المحلية، ورغم ذلك، لا يمكن إسقاطه من المعادلة، فالرجل يملك قاعدة ثابتة، وامتدادات عائلية واجتماعية تحصّنه نسبيًا، لكنه يفتقر إلى المبادرة والتجدد السياسي.
على أبواب الانتخابات النيابيه القادمة من سيحصد الأرض في الجبل؟
المشهد الدرزي مقبل على تبدل نوعي في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، خصوصًا إذا استمر الأداء الجنبلاطي في هذا المنحى الانحداري لذلك نطرح السؤال الجوهري: هل سيتمكن وئام وهاب من توسيع نفوذه خارج معقله التقليدي في الجبل؟ وهل يستطيع تيمور أن يثبت نفسه كزعيم جديد بعد عقود من الزعامة الجنبلاطية المركزية؟
الاحتمال الأقرب أن نشهد تشظّيًا في الصوت الدرزي بين أكثر من مرجعية، ما يعني نهاية زمن القطب الواحد، وولادة مشهد متعدّد الأقطاب، قد لا يتّسم بالاستقرار، لكنه يعكس واقعًا جديدًا تفرضه القواعد الشعبية التي لم تعد ترضى بالوراثة السياسية،
في الخلاصه أن ما يجري داخل الطائفة الدرزية في كل من سوريا ولبنان ليس مجرّد تقلّب في الولاءات السياسية، بل تحوّل بنيوي في العلاقة بين القيادة والقاعدة، بين الزعيم والرعية، بين الماضي والمستقبل. فالسويداء تصنع زعامتها بالميدان والدم، بينما جبل لبنان يعيد رسم خارطته بالانتخابات والانقسامات، وفي هذا التوقيت الحرج، تبدو زعامة جنبلاط على المحك، وصعود وئام وهاب ليس مجرد تمرّد ظرفي، بل تعبير عن حالة عامة تبحث عن البديل… فهل يكون البديل بحجم المرحلة؟ وهل ينجح الدروز في إعادة صياغة حضورهم من موقع الفاعل لا التابع؟ الأيام المقبلة ستكون كفيلة بالإجابة.
المهم أن يصمد أهلنا الدروز في السويداء في ظل هجمه شرسة تستهدف وجودهم وقلق درزي داخلي على مصير الطائفه.
بيروت في،،، 21/7/2025