السويداء.. جرح يتحدّى الاستعمار

بقلم _ ريما فارس

لم يكن صوت سماحة السيّد حسن نصر الله (رحمه الله) يومًا مجرّد صدى في زحمة المواقف، بل كان بوصلة للحقّ وسط الضباب، من لبنان إلى فلسطين، ومن الجنوب إلى الشام. لطالما شكّل خطابه معيارًا يُفرّق بين الأصيل والدخيل، وبين مَن يحمل القضية ومن يبيعها للغريب.

وفي موقفه من أحداث السويداء، لم يتبدّل المشهد: لم تكن الطائفة الدرزية أو أبناؤها في دائرة الاستهداف، بل كان التأكيد على وطنيتهم الراسخة، وعلى عمقهم في الوجدان السوري. فالخطر لم يكمن يومًا في الناس، بل في أولئك الذين يتسلّلون إلى وجعهم، ليحوّلوه وقودًا لأجندات مشبوهة.

مشروع التقسيم الناعم يُرسم بهدوء خلف الأبواب المغلقة في واشنطن، ويُنفّذ عبر أدوات محليّة تُغلّف أهدافها بشعارات خادعة، كالفدرالية والخصوصيّة، فيما الجوهر تفتيت الوطن.

وقتها خرج أبناء السويداء إلى الشوارع يطالبون بلقمة العيش والكرامة، ومطالبهم محقّة. لكنّ العيون المتربّصة لم تكن ترى الخبز، بل الخريطة. سرعان ما تحوّلت بعض المنصّات إلى أدوات تحريض، تدفع باتجاه الانفصال تحت غطاء المطالب المحقّة، لتُعيد إنتاج مشروع التقسيم بلون جديد.

وجاء تحذير السيّد: لم يكن رفضًا للاحتجاج بحد ذاته، بل رفضًا لاستغلاله. كان خطابه دعوة للوعي، لا وصاية، وتنبيهًا إلى أن الغصة يمكن أن تصبح معبرًا للخراب إذا ما التقطها الخصم واستثمر فيها.

وخطب سماحته قائلاً أن السويداء ليست بقعة معزولة، بل قلب نابض في جسد سوريا. تاريخها المقاوم، من ثورة سلطان باشا الأطرش إلى مواقفها الحاضرة، يحجز لها موقعًا في صلب الذاكرة الوطنية، لا على هامشها.

المشروع الذي سقط في حلب ودير الزور، يُعاد تسويقه اليوم بأساليب مغايرة. لم تعد الرايات السوداء ترفرف، بل استُبدلت بعبارات مُنمّقة تستهدف وعي الناس. لكن من خبر دهاليز السياسات الأميركية، لا تخدعه الأقنعة.

حين دخلت المقاومة إلى سوريا، لم تكن لحماية سلطة، بل لردّ غزو متوحش. كانت الدرع الذي حمى الكنائس والمساجد، وصان القرى من كل الطوائف. لم تُميّز يومًا بين مذهب وآخر، بل وقفت في وجه الذبح الجماعي، لتحفظ الكيان من التشرذم.

واليوم، يُطلّ نفس الوحش بوجه أكثر دهاء، يُتقن الكلام ويتقن التضليل. وهنا، لا بدّ من الإصغاء لمن رأى النار عن قرب، لا لمن يصفّق لها من بعيد. لأن من يعرف طعم الرماد، لا يُخدع ببريق الدخان.

أحمد الشرع، ومن على شاكلته، لم يأتِ ليُنقذ، بل ليُكمّل الخراب باسمٍ جديد وشعارٍ مزيف. من رفع راية الحرية بالأمس، فتح الطريق للذبح. ومن تذرّع بالكرامة، أخفى خناجر التقسيم.

كلّ المكوّنات دفعت الثمن: العلويون، السنة، الدروز، المسيحيون، والشيعة. لأن النزف لم يكن مذهبيًا، بل وطنيًا. والمؤامرة لم تميّز بين طائفة وأخرى، بل استهدفت الجميع.

السويداء ليست ورقة بيد المتآمرين، ولا ساحة لصراع الخارج. هي أرض كرامة، وأهلها أبناء وطن لا تُشترى إرادتهم ولا يُساوَم على دمهم. ومن يزايد على سماحته، فلينظر جيدًا: من الذي بذل الدم حين اقتربت نيران داعش من سفوحهم؟ ومن الذي يحرّض اليوم باسمهم، وهو لا يعرفهم إلا كأداة؟

الذئب الأميركي يعود بوجه مُجمَّل، لكن الخطر باقٍ. واليقظة هي السلاح الأخير. لهذا، لا بد من التمسّك بالبوصلة التي طالما أرشدت حين غاب الطريق: بوصلة سماحة السيّد، لأنها وحدها، في زمن الغبار، تكشف الطريق.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى