الإمام علي صوت العدالة
بقلم //قاسم الغراوي
كاتب وصحفي
مركز انكيدو للدراسات
عنوان هذا الكتاب للمفكر والأديب جورج جرداق هو من أبرز الأعمال التي تناولت شخصية الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من زاوية إنسانية وفكرية شاملة.
جرداق، وهو مسيحي لبناني، أبدع في تسليط الضوء على شخصية الإمام علي من خلال عدالته، مواقفه الإنسانية، وحكمته التي تتجاوز الأديان والحدود.
يتكون الكتاب من عدة أجزاء، حيث تناول الكاتب الجوانب المختلفة لشخصية الإمام، ومنها:
اولا: العدالة في فكر الإمام علي: استعرض مواقف الإمام التي تعكس انحيازه للعدالة والمساواة، سواء في الحكم أو التعامل مع الناس، بغض النظر عن معتقداتهم أو طبقاتهم الاجتماعية.
ثانيا : الفكر الإنساني:
ركز جرداق على أقوال الإمام علي التي تُظهر عمق فلسفته في الحياة، ومنها كلماته عن الحرية، الحقوق، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم.
ثالثا : شخصية علي الإنسانية:
أظهر الكاتب كيف أن الإمام علي كان نموذجًا للقائد الذي يجمع بين الحزم والرحمة، وبين القوة والتواضع.
رابعا : مواقفه السياسية والاجتماعية:
أشار جرداق إلى تعامل الإمام علي مع الفتن السياسية في زمنه، وسعيه للحفاظ على وحدة الأمة رغم التحديات والصراعات.
الكتاب يُظهر كيف يمكن لشخصية الإمام علي أن تكون رمزًا عالميًا للعدالة والإنسانية، حيث استطاع جرداق، عبر أسلوبه الأدبي المميز، أن يقدم رؤية جديدة لشخصية الإمام بعيدًا عن الانتماءات الدينية، مما جعل الكتاب يحظى بشهرة واسعة لدى القراء من مختلف الثقافات.
في عام 2002، أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) تقريرًا بعنوان “الحكم الرشيد في الإسلام”، وهو جزء من تقرير التنمية الإنسانية العربية. في هذا التقرير، استُشهد برسالة الإمام علي إلى مالك الأشتر عندما عيّنه واليًا على مصر. تُعتبر هذه الرسالة نموذجًا للعدالة والحكم الرشيد، وقد أكّد التقرير أنها مثال على المبادئ التي تتسم بالشمولية في الحُكم، بما في ذلك:
1. إقامة العدل بين الناس
2. مكافحة الفساد والظلم
3. رعاية حقوق الضعفاء
4. الشفافية في الحكم
هذه الرسالة تعد إحدى الوثائق السياسية والإنسانية العظيمة التي أكّدت الأمم المتحدة على قيمها المتناغمة مع مبادئ الحكم الرشيد والعدالة الاجتماعية، مما يجعلها مصدر إلهام عالمي.
مقتطفات من رسالة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام إلى مالك الأشتر عندما ولّاه مصر. الرسالة تعتبر وثيقة إنسانية وسياسية وأخلاقية فريدة تُبرز مبادئ الحكم العادل:
“واعلم يا مالك، أنّي قد وجّهتك إلى بلادٍ قد جرت عليها دولٌ قبلك، من عدلٍ وجور، وأنّ الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك كما كنت تقول فيهم، وإنّما يُستدلّ على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده، فليكن أحبّ الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح.”
1. العدل والمساواة بين الرعية:
“وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكوننّ عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين، أو نظيرٌ لك في الخلق.”
2. مكافحة الظلم:
“واكفف عنهم غضبك، واحترس من سطواتك، ولا تقف عند كفاك، ولا تقل: إنّي مؤمَّر آمر فأطاع؛ فإنّ ذلك إدغالٌ في القلب، ومنهكةٌ للدين، وتقرّب من الغِيَر.”
3. محاربة الفساد:
“فإنّ في الناس عيوباً، الوالي أحقّ من سترها، فلا تكشفنّ عمّا غاب عنك منها، فإنّما عليك تطهير ما ظهر لك. والله يحكم على ما غاب عنك، فاستر العورة ما استطعت، يستر الله منك ما تحبّ ستره.”
4. اختيار أعوان صالحين:
“ثمّ انظر في أمور عمّالك فاستعملهم اختباراً، ولا تولِّهم محاباةً وأثرة، فإنّهما جماعٌ من شعب الجور والخيانة.”
5. الرحمة بالضعفاء:
“وأعطِهم من عفوك وصفحك مثل الذي تُحبّ أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنّك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولّاك.”
6. أهمية تحقيق العدل في القضاء:
“واجعل للقضاء بين الناس مجلساً جامعاً، لا يضيق عنه أحد، ولا يمتنع منه ذو حاجة، ولا تبعد عنهم مشاوراتك، ليأمن قويّهم بأسك، ولا ييأس ضعيفهم من عدلك.”
هذه الرسالة تُعتبر نموذجًا للسياسات الأخلاقية والحكم العادل في أي زمان ومكان. إنها تُبرز مبادئ أساسية للحاكم، مثل المسؤولية، الشفافية، محاربة الفساد، والتعامل برحمة وإنسانية مع الشعب.