هكذا نحن اليوم ..

بقلم // حسن كريم الراضي

أصبحنا عبئا على أولادنا.
يروننا خارج تغطية العصر ..
قدماء أنتهت صلاحيتنا ..
نحن الذين تعودنا على النظام فنرى رمي المنشفة على الأرض جريمة .. ووضع فرشاة الأسنان في غير موضعها خلل في السلوك ..
وعدم فتح الماء قبل الخروج من المرحاض جنحة مخلة بالذوق ..
لذلك أصبحنا مملين مزعجين ..
لأننا ننسى كثيرا ونروي حكايات رويناها سابقا حتى اصاب الآخرين بالضجر ..
نحن نخاف كثيرا ونبالغ بأجراءات السلامة كثيرا .. فنحن لا ننام قبل أن نتأكد من قفل الأبواب وقفل صنابير المياه بأحكام وقبل التأكد من غلق سدادة الغاز لذلك أصبحوا يرونا مصابين بالشك والريبة..
نحن لا يمكن أن نمر من غرفة فارغة ونبقي مصباحها مضاء لأننا نعرف قيمة الضوء بعد أن عشنا سنين بالظلام ..
ونحن لا نقص رغيف الخبز من الوسط بل نقضمه قطعة قطعة حتى لا يبقى منه ما لا يفيد لأننا نعرف قيمة الرغيف فقد فقدناه يوما فصار حلما أن نخبز دقيقا ابيضا ناصعا كالذي نراه اليوم يرمى في مكبات النفايات لذلك وصفونا بالبخل ..
نحن نقضي المساء في البيت لأننا نخاف الليل وما يجري فيه لذلك نريد من الأولاد أن يعودوا مبكرا لننام فنحن لا ننام حتى يعود الجميع لذلك أتهمونا بالرهاب ..
نحن غرباء اليوم فنحن نعيش مع الموتى . نستذكر من مضوا من احبابنا ونعد من سبقونا ورحلوا قبلنا . لذلك نحن كمسافر يجلس في محطة أنتظار يلتفت لكل قطار قادم وفي قلق دائم خشية أن يفوته هذا القطار .
نحن كنا ثروة فأهدرنا زماننا وضيعنا من أتى بعدنا لذلك نشعر بالغربة فلا الزمان زماننا ولا الناس يعيشون كما تعودنا .. أنها الحضارة التي أتت كموج سحقت كل القيم الفاضلة ففرح بها الناس ولا يعلمون أنها ذبحت فيهم الروح وابقت الجسد . نحن من عشنا حياة الروح . فنحن من قرأنا حد الثمالة وعشقنا حد الوجد والوله.. ونحن أصحاب الدمعة الغزيرة والعبرة السخية .. نحن من عشنا آخر عصر ذهبي للانسانية فغادرنا عصرنا الذهبي وتركنا نقضي ما بقي لنا في عصر التوحش البشري .. أنه العصر الجليدي الذي اصاب الأرواح فتجمدت ولكن أرواحنا أبت الأنجماد ..
نحن الغرباء بين أهلنا والمستوحشين في أوطاننا ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى