“بين الصلاح والإصلاح: نور الذات وصوت التغيير”
بقلم/ / الدكتور أحمد صدام الساعدي
الصالح والمصلح، كلمتان تحملان في طياتهما معاني عميقة تفصل بين من يكتفي بحماية نفسه ومن يختار مواجهة التحديات لإصلاح ما حوله. الصالح هو ذاك الشخص الذي يعيش في انسجام داخلي، يلتزم بالقيم الأخلاقية ويحافظ على نقاء سريرته، ولكنه غالبًا يظل في دائرة ذاته، لا يتعدى أثره حدود شخصيته. أما المصلح، فهو أشبه بمنارة تهدي السفن في عتمة البحر؛ يحمل على عاتقه همّ التغيير، يقتحم المشكلات، ويصطدم بجدران الظلم والفساد، لأنه لا يرضى أن يكون صلاحه مقتصرًا على نفسه فقط.
في التاريخ أمثلة كثيرة تبرز هذا الفرق. النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قبل البعثة كان “الصادق الأمين”، محبًا من الجميع، ولكن حينما تحوّل إلى مصلح، واجه العداء والسخرية لأنه تحدى الأهواء والمصالح. المصلح دائمًا ما يكون كالشجرة التي تهز جذورها لتصلح الأرض من حولها، لكنه في ذلك قد يزعج الطفيليات التي استوطنت التربة.
الصلاح الفردي جميل، لكنه كالنجم المنعزل في السماء، يضيء نفسه فقط. أما الإصلاح فهو القمر الذي يضيء الليل للجميع، لكنه لا يسلم من العواصف التي تحاول حجبه. وكما قال أهل العلم: “مصْلح واحد أحب إلى الله من ألف صالح”، لأن المصلح قد يحيي به الله أمة بأكملها، بينما الصالح قد يكتفي بحماية نفسه.
المصلح يصطدم بأوهام الناس ورغباتهم، يقف في وجه الظلم، يهدم العادات الفاسدة، ولهذا يكون مكروهًا من قبل من يتمسكون بالمصالح الزائفة. كالمطر الذي يجرف الرواسب، قد يُتهم المصلح بالجنون، لكنه في الحقيقة هو صوت الحقيقة الذي يحاول أن يعيد التوازن إلى المجتمع.
القرآن الكريم أوضح ذلك بجلاء في قوله تعالى: “وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون”، فلم يقل صالحون، لأن الإصلاح هو الذي يحمي الأمم من الهلاك. الصالح يعيش لنفسه، أما المصلح فهو أمل الأمة، يضحي براحته وأمانه ليبني مستقبلًا أفضل.
هكذا، نجد أن الفرق بين الصالح والمصلح هو الفرق بين من يرضى بالسلام الداخلي ومن يحمل شعلة النور ليبدد الظلام من حوله، حتى وإن أحرقت يده. فليكن طموحنا أن نصبح من المصلحين، لأنهم من يصنعون الفرق، وهم من تحيا بهم القرى، وتُصان بهم الأرواح، وتبقى بهم القيم.