الضخ الإعلامي البعثي: تزييف الماضي والتعتيم على إنجازات الحاضر

بقلم // ضياء ابو معارج الدراجي 

 

منذ فترة ليست بالقصيرة، نشهد تصاعدًا غير مسبوق في عمليات الضخ الإعلامي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يهدف إلى إعادة تلميع صورة النظام البعثي الصدامي وتسويق أكذوبة “الزمن الجميل”. هذه الحملة التي يقودها ذباب إلكتروني مدفوع الثمن، تسعى لتزييف التاريخ عبر نشر صور قديمة لبغداد في السبعينيات والثمانينيات، في محاولة يائسة لإقناع الأجيال الجديدة بأن العراق كان يعيش في رخاء واستقرار، متناسين أن تلك الحقبة لم تكن سوى زمن الدكتاتورية، الحروب العبثية، المقابر الجماعية، والفقر المدقع.

الصور التي يتم تداولها اليوم ليست سوى خدعة بصرية، فهي تركز على زوايا معينة من بغداد، وتخفي وراءها واقعًا مروّعًا عاشه العراقيون. بغداد لم تكن كما يحاولون تصويرها، بل كانت مدينة تعيش تحت قبضة أمنية قمعية، يسودها الخوف والترقب، حيث لا أحد يجرؤ على انتقاد السلطة، وإلا فمصيره السجن أو الإعدام.

أما الوضع الاقتصادي، فكان مأساويًا، خاصة بعد مغامرات صدام في حربه مع إيران، ثم غزو الكويت، الذي جلب للعراق حصارًا خانقًا دمر كل شيء. كانت الأسواق شبه خالية، والمستشفيات بلا أدوية، والبطاقة التموينية هي الملاذ الوحيد لعائلات أنهكها الفقر. السيارات في الشوارع كانت تعود إلى سبعينيات وثمانينات القرن الماضي، حيث كان امتلاك سيارة حديثة ضربًا من الخيال. حتى الطعام، لم يكن متوفرًا إلا بالحدود الدنيا، ومعظم العائلات كانت تعيش على الفتات.

بعد سقوط النظام البائد في 2003، ورغم التحديات الأمنية والسياسية، شهد العراق نهضة عمرانية واقتصادية لم يشهدها طوال تاريخه الحديث. توسعت الشوارع والجسور، وتم بناء مستشفيات ومجمعات تجارية وملاعب دولية، وأصبحت بغداد اليوم تضم أرقى الأحياء السكنية التي لم يكن أحد يحلم بوجودها في زمن البعث.

دخل الفرد العراقي تضاعف مرات عديدة، وتوسعت الطبقة الوسطى، وأصبح امتلاك سيارة حديثة أمرًا طبيعيًا بعدما كان حلمًا بعيد المنال. عدد السيارات في العراق اليوم يفوق ما كان عليه قبل 2003 بأكثر من 100 ضعف، حيث تسير في الشوارع أحدث الموديلات، بعد أن كان العراقي مجبرًا على شراء سيارات قديمة ومتهالكة بسبب الفقر وشح الموارد.

إن حملة تلميع النظام البائد ليست سوى جزء من حرب نفسية تستهدف العراقيين، وتسعى لإيهامهم بأن الماضي كان أفضل، بينما الواقع يقول عكس ذلك. الجهات التي تقود هذه الحملة تعلم أن جيل ما بعد 2003 لم يعايش جرائم البعث، لذلك تحاول خداعه عبر صور مضللة، في محاولة لإحياء كابوس انتهى إلى الأبد.

إن العراق اليوم ليس مثاليًا، لكنه بالتأكيد أفضل من عراق القمع والجوع والإعدامات العشوائية. يجب على العراقيين، وخاصة الشباب، أن يدركوا أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت ساحة لحرب إعلامية قذرة، هدفها إعادة تدوير النظام البائد وإغراق الوعي الشعبي بأكاذيب لا أساس لها. المستقبل ليس في العودة إلى البعث، بل في بناء عراق جديد يليق بتضحيات أبنائه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى