الجولاني وصدام أدوات أميركية بين التصعيد والتصفية

بقلم // ضياء ابو معارج الدراجي 

 

حين نعيد قراءة التاريخ السياسي للمنطقة، نجد أن الولايات المتحدة وحلفاءها من دول الخليج يكررون نفس السيناريوهات، مع تغيير الأسماء والوجوه فقط. صدام حسين وأبو محمد الجولاني مثالان واضحان على ذلك؛ كلاهما صعد إلى السلطة بغطاء أميركي، وكلاهما نُفّذت به أجندات محددة، لكن الفارق أن صدام كان لاعبًا خطيرًا خرج عن السيطرة، بينما الجولاني مجرد بيدق تُعاد صياغته ليبقى أداة وظيفية تحت الرعاية المباشرة للخليج.

صدام حسين بدأ حياته السياسية كعنصر في جهاز مخابرات حزب البعث، وشارك في محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم بتوجيه بريطاني، لكنه تحول لاحقًا إلى رجل أميركا الأول في العراق. نُصّب نائبًا ثم رئيسًا، ودُفِع إلى حربٍ مع إيران أكلت الأخضر واليابس، ثم استُدرِج لغزو الكويت، لينتهي به المطاف وحيدًا في حفرةٍ بائسة بعد أن تم إسقاطه بنفس الأيدي التي صنعته.

الجولاني، بدوره، خرج من عباءة “القاعدة” وتمت إعادة تدويره كزعيم لـ”هيئة تحرير الشام”، بتمويل وتوجيه استخباراتي دقيق. من سجين في العراق إلى “أمير” في سوريا، نُفِّذت به أجندات الحرب على النظام السوري، وتم منحه هامشًا للحركة لم يكن ليتاح له لولا الحاجة الأميركية لمثل هذا النوع من الأدوات. الفرق أن صدام كان لديه طموح شخصي لفرض هيمنته الإقليمية، بينما الجولاني مجرد وكيل أمني لقوى إقليمية تديره كموظف مطيع.

دول الخليج كانت تخشى صدام، لأنه كان زعيمًا متهورًا يطمح إلى زعامة العرب، وكان يرى نفسه نداً لأنظمتها، مما جعله خصمًا محتملاً رغم دعمه في الحرب ضد إيران. أما الجولاني، فلا يشكل أي تهديد، فهو مجرد أداة قابلة للاستبدال، يتم تقديمه اليوم كـ”زعيم معتدل”، بعد أن تم تطهير صورته من تاريخه الارهابي القديم.

بينما حُشِدَت الجيوش لإسقاط صدام، يُمنَح الجولاني اليوم الحماية الجوية والسياسية، ويتم تطبيع وضعه دوليًا، وسط صمت تام عن ممارساته في إدلب. إذا كانت نهاية صدام قد قررتها واشنطن بموافقة خليجية، فإن الجولاني لا يزال في مرحلة “التوظيف”، وسيبقى حتى حين تقرر الإدارة الأميركية تغييره، أو حين تنتهي صلاحيته كعميل مفيد.

صدام حسين أدى العمرة في الكعبة قبل أشهر من غزو الكويت، في استعراض أراد منه تصوير نفسه كقائد مسلم يقود الأمة، لكنه لم يكن يعلم أن سقوطه قد كُتِبَ سلفًا. الجولاني، اليوم، يعيد المشهد ذاته، بمحاولة تقديم نفسه كرجل دين وسياسة في آنٍ واحد، لكن النهاية لا تحتاج إلى تنجيم؛ فهو مجرد ورقة سيتم حرقها بمجرد أن تنتهي فائدتها، كما حصل مع كل الذين سبقوه في هذا الطريق.

التاريخ لا يعيد نفسه، لكنه يُعاد تدويره مع تغييرات شكلية. الجولاني، كصدام، صنيعة استخبارية تعمل وفق الأوامر، لكن الفرق أن صدام خرج عن النص، فتمت تصفيته، بينما الجولاني لا يزال في الدور الوظيفي. لكنه لن يكون استثناءً من القاعدة، فحين ينتهي دوره، ستتم التضحية به بنفس الطريقة التي صُفِّيَ بها من سبقوه، حتى لو زار الكعبة ألف مرة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى