العباس (ع) و رسول الله (ص)..!
بقلم // الشيخ محمد الربيعي
الواقع عندما يتحدث الإنسان عن بحر الفضائل والعلوم امام الايثار العباس بن علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) ، لا يسعه أن يتكلم إلا بشيء يناسب مقامه، وقد احترت في اختيار العنوان المناسب ، ولم أجد عنواناً أنسب من هذا العنوان .
نعم، هو أبو الفضل العباس (عليه السلام) انه المفخرة وأيّ مفخرة من مفاخر تلك العشيرة العظيمة أو القبيلة المحمدية الرسالية، فكان من نوابغ رجالها ومن نوادر شخصياتها، فكان نبراساً يستلهم من نوره، وأسوة حسنة للاقتداء به، فقد جسد جميع معاني الخير والجمال، والشجاعة والشهامة، والفصاحة والنباهة،
لقد كان في حسن السيرة والأخلاق قِمة، وفي جمال الوجه والمحيّا روعة، كان وجهه كالقمر ليلة البدر، حيث إنه ورث الجمال من آبائه وأجداده، وفعاله كالشمس في ضاحية النهار، حيث إنه قد تأدب على يدي أبيه الإمام أمير المؤمنين (عليهما السلام) وأخوى الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام)،
ولذلك أسرع بنو هاشم عشيرته من ناحية الأب إلى الافتخار به، والاعتزاز بشخصيته، فأطلقوا عليه وبكل كفاءة لقب: (قمر بني هاشم) فاشتهر العباس (عليه السلام) بهذا اللقب بين الهاشميين ثم فشى لقبه هذا وبكل سرعة بين الناس.
محل الشاهد :
مما ظلم به امام الايثار العباس ( عليه السلام ) هو قليل جدا من النقل التاريخي ، وقليل جدا من النصوص الواردة بحقه ، ومن اهم ذلك هو اخفاء النقل الوارد بحقه عن رسول الله ( صلى الله عليه واله ) …
ان للعباس ( عليه السلام ) منزلة عند رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ، لان لا شك في أن جبرائيل (عليه السلام) لما أخبر رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) عن الله تبارك وتعالى بشهادة سبطه الأصغر، وريحانته في الدنيا الإمام الحسين (عليه السلام) وما يجري عليه، أخبره أيضاً عن شهادة من يستشهد معه، وعن شهادة أخيه وصنوه، وحاميه والمدافع عنه خاصة، والذي أبلى في نصرته بلاء حسناً، وفداه بروحه ودمه، أبي الفضل العباس (عليه السلام).
ولا شك في أن اطلاع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) عن مواساة أبي الفضل العباس (عليه السلام) أخاه وإمامه الإمام الحسين (عليه السلام) وتعرفه إلى إيثاره له، علماً بأن هذه المواساة، وهذا الإيثار منه (عليه السلام) هو نتيجة عمله بعلمه، وتطبيقه لمعرفته ومعتقده بإمامه (عليه السلام).
فإن ذلك جعل لأبي الفضل العباس (عليه السلام) عند جده –جدّ إمامه- مكانة مرموقة، ومنزلة محمودة، مما دعا رسول الله إلى التصريح بفضل أبي الفضل العباس وكرامته، والتلويح بمقامه ومنزلته عندالله وعند رسوله (صلَّى الله عليه وآله) كما صرح بذلك في حق سبطه وريحانته الإمام الحسين (عليه السلام)،
ومن قبله في حق سبطه الأكبر، وريحانته المجتبى الإمام الحسن (عليه السلام)، ولكن لم يصلنا شيء من تصريحاته (صلَّى الله عليه وآله) في حق أبي الفضل العباس (عليه السلام) (ولكن لم يصلنا و للأسف شيء)، كما وصلنا والحمدلله بعض تصريحاته (صلَّى الله عليه وآله) في حق الإمامين الهمامين الحسن والحسين (عليه السلام).
ويدل على ذلك ما جاء في كتاب الخصال للشيخ الصدوق، باب الاثنين، الحديث الواحد بعد المائة، فإنه (رحمه الله) بعد أن يروي فيه عن الإمام زين العبادين (عليه السلام) في حق عمه العباس بن علي (عليه السلام) الرواية المعروفة،
ويذكر فيها: «إن الله أبدله مكان يديه المقطوعتين جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب»، يقول- الشيخ الصدوق- ما نصه: “والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة”، ثم يضيف: “و قد أخرجته بتمامه مع ما رويته في فضائل العباس بن علي (عليه السلام) في كتاب: مقتل الحسين (عليه السلام) بن علي (عليه السلام)” انتهى كلامه،
رفع الله مقامه، فإنه كما لم يصلنا كتاب مقتل الشيخ الصدوق (رحمه الله)، فكذلك لم يصلنا ما جاء فيه، وما جاء في غيره من الكتب الأخرى، من فضائل أبي الفضل العباس (عليه السلام) التي ربما نقلت في حقه عن الرسول (صلَّى الله عليه وآله).
هذا، ولكن يمكن أن يدعى أن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) كان قد عنى أبا الفضل العباس (عليه السلام) أيضاً في رواياته المروية عنه (صلَّى الله عليه وآله) في مدح العلماء الأبرار، العاملين بعلمهم، والمطبقين لما عرفوه واعتقدوه من الحق في الخارج تطبيقاً عملياً دقيقاً، وذلك لأن أبا الفضل العباس (عليه السلام) هو في طليعة العلماء العاملين، فيشمله مثل قوله (صلَّى الله عليه وآله): «فقيه أشد على الشيطان من ألف عابد»،
ومثل قوله (صلَّى الله عليه وآله): «العلماء قادة المتقون سادة»، ومثل قوله (صلَّى الله عليه وآله): «الفقهاء أمناء الرسل»، ومثل قوله (صلَّى الله عليه وآله): «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين»،
ومثل قوله (صلَّى الله عليه وآله): «علماء أمتي كأنبياء بني اسرائيل»،
ومثل قوله (صلَّى الله عليه وآله): «إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء، يهتدى بها في ظلمات البر والبحر»،
ومثل قوله (صلَّى الله عليه وآله): «فضل العالم على غيره كفضل النبي على أمته»،
ومثل قوله (صلَّى الله عليه وآله): «ألا أحدثكم عن أقوام ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم يوم القيامة الأنبياء والشهداء بمنازلهم من الله على منابر من نور؟، فقيل: من هم يا رسول الله؟
قال: هم الذين يحببون عباد الله إلى الله، ويحببون عباد الله إلي، قال: يأمرونهم بما يحب الله، وينهونهم عما يكره الله، فإذا أطاعوهم أحبهم الله».
فكيف بأبي الفضل العباس (عليه السلام) فإنه إضافة إلى كونه من طلايع هؤلاء العلماء العاملين، وهو في مقدمة الشهداء السعداء أيضاً؟!
فمن يكون كذلك، كيف لا يكون من أجلى مصاديق الموحدين، المجتهدين أصحاب الإدارة والعزم والثبات، لذلك هو سبيل إلى الوصول إلى الله سبحانه، وباب من أبواب اللجوء والاستغاثة إليه (عزَّوجلَّ) .
وفي الختام نقول :
من سنن الله الجارية في أوليائه {وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً}، إكرامهم بإظهار ما لهم من الكرامات عليه والزلفى منه، ذلك غير ما ادخره لهم من المثوبات الجزيلة، تقديراً لعملهم وإظهاراً لمكانتهم وعظيم شأنهم، وحثاً للملأ على اقتفاء آثارهم في الطاعة،
ومهما كان العبد يخفي الصالحات من أعماله فالمولى سبحانه يراغم ذلك الإخفاء بإشهار فضله، كما يقتضيه لطفه ورحمته الواسعة، وبره المتواصل، وأنه (جلَّ وعلا) يظهر الجميل من أفعال العباد، ويخفي القبيح رأفة منه وحنانا عليهم، وإليه أشار في الدعاء:
«يا من أظهر الجميل وستر القبيح». “ومن السادات الأولياء الذين اجرى الله (سبحانه وتعالى) سنة على يديه المباركة؛ سيدنا ومولانا أبوالفضل العباس (عليه السلام)، ومن أجلى مظاهر هذه السنة الإلهية، أنك ترى مشهده المقدس في آناء الليل وأطراف النهار معموراً بأرباب الحوائج، من عاف يستمنعه بره، ومن عان يطلب عافيته، على مضظهد يتحرى كشف ما به من غم وهم، إلى خائف ينضوي إلى حمى أمنه، وغير هذه المقاصد من أنواع الحوائج، وكل هذا ليس على الله بعزيز، ولا من المقربين من عباده ببعيد.
ولكثرة كراماته وآيات مرقده التي لا يأتي عليها الحصر نذكر واحدة منها تيمناً، ولئلا يخلو مقالنا منها وتعريفاً للقارئ بما جاد به قطب السخاء على من لاذ به واستجار بتربته”.
ما ذكره السيد سعيد البهبهاني في كتابه أعلام الناس في فضائل العباس (عليهم السلام) قال: «تزوجت في أوائل ذي القعدة 1351هـ وبعد أن مضى أسبوع من أيام الزواج، أصابني زكام صاحبته حمى، وباشرني أطبّاء النجف، فلم انتفع بذلك، والمرض يتزايد، ومن جملة الأطباء؛ الطبيب المركزي (محمد زكي أباقة).
وفي أول جمادي الأولى من سنة 1353هـ خرجت إلى الكوفة وبقيت إلى رجب، فلم تنقطع الحمى وقد استولى الضعف على بدني، حتى لم أقدر على القيام، ثم رجعت إلى النجف وبقيت إلى ذي القعدة من هذه السنة، بلا مراجعة طبيب لعجزهم عن العلاج
و في ذي الحجة من هذه السنة اجتمع الطبيب المركزي المذكور- مع الدكتور (محمد تقي جهان) وطبيبان آخران جاءا من بغداد وفحصوني، فاتفقوا على عدم نفع كل دواء وحكموا بالموت إلى شهر وفي المحرم من سنة 1354هـ خرج والدي إلى قرية (القاسم ابن الإمام الكاظم عليه السلام) للقراءة في المآتم التي تقام لسيد الشهداء (عليه السلام) وكانت والدتي تمرضني ودأبها البكاء ليلاً ونهاراً.
وفي الليلة السابعة من هذه السنة رأيت في المنام رجلاً مهيباً وسيماً جميلاً أشبه الناس بالسيد الطاهر الزكي (السيد مهدي الرشتي) فسألني عن والدي، فأخبرته بخروجه إلى قرية (القاسم عليه السلام)، فقال: إذاً من يقرأ في عادتنا يوم الخميس، وكانت الليلة ليلة الخميس،
ثم قال إذاً أنت تقرأ. ثم خرج وعاد إلي، وقال: إن ولدي السيد سعيد مضى إلى كربلاء يعقد مجلساً لذكر مصيبة أبي الفضل العباس (عليه السلام) وفاء لنذر عليه، فامضار إلى كربلاء واقرأ مصيبة العباس، وغاب عني. فانتبهت من النوم، ونظرتُ إلى والدتي عند رجلي تبكي ثم نمت ثانياً فأتاني السيد المذكور،
وهو يقول: ألم أقل لك إن ولدي سعيد ذهب إلى كربلاء، وأنت تقرأ في مأتم أبي الفضل العباس (عليه السلام)، فأجبته إلى ذلك، فغاب عني، فانتبهت. وفي المرة الثالثة نمت فعاد إلى السيد المذكور، وهو يقول بزجر وشدة: ألم أقل لك امضِ إلى كربلاء،
فما هذا التأخير، فهبته هذه المرة، وانتبهت مرعوباً. وقصصت الرؤيا من أولها على والدتي، ففرحت وتأوّلت بأن هذا السيد هو أبو الفضل، وعند الصباح عزمت على الذهاب إلى حرم أبي الفضل العباس (عليه السلام) ولكن كل من سمع بهذا لم يوافقها لما يراه من الضعف البالغ حده، وعدم الاستطاعة على الجلوس حتى في السيارة، وبقيت على هذا إلى اليوم الثاني عشر من المحرم، فأصرت الوالدة على السفر إلى كربلاء، بكل صورة، فأشار بعض الأرحام على أن يضعوني في تابوت، ففعلوا ذلك، وصلت ذلك اليوم إلى القبر المقدس ونمت عند الضريح الطاهر.
وبينما أنا في حالة الإغماء في الليلة الثالثة عشر من المحرم، وإذ جاء ذلك السيد المذكور، وقال لي لماذا تأخرت عن يوم السابع وقد بقي سعيد بانتظارك، وحيث لم تحضر يوم السابع فهذا يوم دفن العباس (عليه السلام)- وهو يوم 13- فقم واقرأ ثم غاب عني، وعاد إلي ثانية وأمرلي بالقراءة، وغاب عني، وعاد إلي الثالثة، ووضع يده على كتفي الأيسر، لأني كنت مضطجعاً على الأيمن،
وهو يقول: إلى متى النوم قم واذكر(مصيبتي) فقمت وأنا مدهوش مذعور من هيبته وأنواره، وسقطت على وجهي مغشياً علي، وقد شاهد ذلك كل من كان حاضراً في الحرم الأطهر. وانتبهت من غشيتي وأنا أتصبب عرقاً والصحة ظاهرة علي، فاجتمع علي من في الحرم الشريف وأقبل من في الصحن والسوق، وازدحم الناس في الحضرة المنورة، وكثر التكبير والتهليل، وخرّق الناس ثيابي، وجاءت الشرطة، فأخرجوني إلى البهو الذي أمام الحرم فبقيت هناك إلى الصباح. وعند الفجر تطهرت للصلاة وصليت في الحرم، بتمام الصحة والعافية ثم قرأت مصيبة أبي الفضل العباس (عليه السلام)،
وابتدأت بقصيدة السيد راضي بن السيد صالح القزويني وهي: أبا الفضل يا من أسس الفضل والإبا أبا الفضل إلا أن تكون له أبا والأمر الأعجب أني لما خرجت من الحرم قصدت داراً لبعض أرحامنا بكربلاء، وبعد أن قرأت مصيبة العباس (عليه السلام) خلوت بزوجتي، وببركات أبي الفضل العباس (عليه السلام) حملت ولداً سميته (فاضل) وهو حي يرزق كما رزقت عبدالله وحسن ومحمد وفاطمة كنيتها أم البنين. وقد نظم هذه الكرامة جماعة من الأدباء الذين رأوا السيد سعيد في الحالتين الصحة والمرض، أذكر واحداً منها.
ما قاله السيد الخطيب السيد صالح الحلي (رحمه الله) في حقه: بأبي الفضل استجرنا فحبانا منه منحة وطلبنا أن يداوي ألم القلب وجرحه فكسا الله سعيداً بعدسقم ثوبَ صحه بدّل الرحمن منه قرحة القلب بفرحه”
اللهم احفظ الاسلام و المسلمين
اللهم احفظ العراق و شعبه