كنوز ميديا // ثقافة وفن
شهد القرن السادس عشر تأسيس الإمبراطورية المغولية على يد الأمير ظهير الدين بابر، سليل إمبراطوريات السهوب التي حكمت منطقة أوراسيا خلال العصور الماضية. وعلى يد بابر تأسست أكبر الإمبراطوريات الإسلامية وأقوى دولة إسلامية قامت في الهند.
يمتد نسل والدة الأمير بابر إلى جنكيزخان، بينما يمتد نسل والده إلى الفاتح تيمورلنك. شن بابر هجوما واسع النطاق على مدينة دلهي من وسط آسيا، وسيطر على معظم مناطق الهند ليؤسس إمبراطورية المغول في الهند، وكذلك ليؤسس إلى قيام السلالة المغولية المسلمة التي حكمت معظم مناطق الهند حتى نهاية القرن الثامن عشر.
ولغرض تسليط الضوء على فترة حكم أشهر ثلاثة من أباطرة المغول المسلمين، هم كل من جلال الدين أكبر، جيهانجير، وشاه جاهان، تستضيف قاعة الفن في متحف فكتوريا وألبرت معرضا فنيا بعنوان “عظماء المغول: الفن والعمارة والرفاهية”، الذي يستمر لغاية الخامس من أيار من العام الحالي.
جلس جلال الدين أكبر على عرش الإمبراطورية المغولية وهو صبي يتجاوز الثالثة عشرة من العمر؛ وذلك بعد وفاة والده نصير الدين همايون. وخلال أقل من عقدين من الزمن، تمكن أكبر من توسيع مناطق نفوذه من خلال الحملات العسكرية تارة واتباع الطرق الدبلوماسية والتملق الاقتصادي والبيروقراطي والمصالحة بين رعاياه الذين تم غزوهم تارة أخرى.
خلال العام 1572، تمكن جلال الدين أكبر من ضم ولاية غوجرات، وهي واحدة من أغنى المناطق في آسيا. وبعد سنوات، تمكن من السيطرة على إقليم البنغال. وجاء نجاح جلال الدين أكبر في السيطرة على تلك المناطق من خلال الإصلاحات الإدارية التي قام بها؛ وذلك بتعيين شخصيات ذات خبرة من ناحية الأمور الإدارية والمالية. وقد اعتمد جلال الدين أكبر اللغة الفارسية كلغة رسمية للحكومة، وذلك للحد من اختلاف اللغات المعروفة بين مجتمع الهند الشمالية، بينما استبعد هذا الأمير اللغتين العربية والسنسكريتية.
كان الأمير أكبر محبا للفن والشعر والأدب، الأمر الذي ساعد على ازدهار الحركة الفنية في عهده. وقد حظي الشعراء والأدباء والخطاطون بالرعاية والاهتمام ليس من قبل جلال الدين أكبر فحسب، بل حتى من قبل حكام المناطق التابعة للإمبراطورية المغولية آنذاك. ومع ازدهار حركة التواصل مع أوروبا في نهاية القرن السادس عشر، ازدهرت حركة ترجمة المخطوطات الأدبية الفارسية والسنسكريتية، بالإضافة إلى نصوص الإنجيل. وقد قام جلال الدين أكبر بنفسه بترتيب ترجمة حياة السيد المسيح ومعجزاته.
سعى الأمير لتخليد اسمه في التاريخ من خلال تكليف المؤلف وكاتب البلاط أبو الفضل، بكتابة كل التفاصيل الدقيقة لفترة حكمه. ويعد “كتاب أكبر” أو (أكبر نامه) واحدا من الكتب التي وثقت تاريخ الأحداث في عهد جلال الدين أكبر، بالإضافة إلى تقديم أدق التفاصيل عن حياته.
وتضمن معرض متحف فكتوريا وألبرت نسخة من هذا الكتاب، بالإضافة إلى عدد من المخطوطات واللوحات التي تعود لفترة حكم الأمير، الذي أغدق الكثير من الأموال على الرسامين والخطاطين، الأمر الذي ساعد على ازدهار حركة الفن والثقافة في ذلك الوقت. ولم يخلُ المعرض من بعض الملابس المصنوعة من النحاس والبرونز، بالإضافة إلى بعض المسكوكات الفضية والسجاد.
ولم تخلُ تلك الفترة من التوترات التي عكستها بعض الأعمال الفنية، فمن خلال إحدى اللوحات الفنية، يظهر جلال الدين أكبر وهو يقدم تاج الإمبراطورية إلى حفيده شاه جاهان، بينما يقف ابنه (والد شاه جاهان) وتبدو عليه علامات الامتعاض وعدم الرضا. ويبدو أن ظهير الدين أكبر وشاه جاهان كانا جديرين بأن يرثا العرش، ففي عهد تيمورلنك انتقل العرش إلى ظهير الدين أكبر بعد أن رأى الأول أن جهانجير لا يستحق أن يرث العرش من بعده.
لقد ترك شاه جيهان بصمته على فترة حكمه بسبب اهتمامه بمشاريع العمارة، والدليل على ذلك القصر المشهور باسم تاج محل في مدينة “أغرى” عاصمة الإمبراطورية المغولية الإسلامية خلال العصور الوسطى. ويعد هذا القصر، المبني من الرخام الأبيض، مثالا على العمارة المغولية الذي يجمع بين الطراز الإسلامي والفارسي والتركي والعثماني والهندي. وقد بنى شاه جيهان هذا القصر تخليدا لذكرى زوجته ممتاز محل التي توفيت أثناء ولادة ابنهما الرابع عشر.
كان شاه جيهان كسلفه مهتما بالفنون، حتى بلغ به الحد إلى أن يطلب من معاونيه تقديم تقارير دورية عن آخر الاكتشافات التي تشهدها مناجم الأحجار الكريمة. ويعود الفضل إلى “عظماء المغول” بأن يعيش الفن عصره الذهبي، إذ شهدت فترة حكمهم عمق الإنجازات الثقافية، بعدما وصلت كل أشكال الفنون من الرسم والحرف اليدوية وصناعة السجاد والمجوهرات والأقمشة إلى مستوى لا مثيل له من التطور. ومن الأعمال الفنية المعروضة التي يستقبلها معرض فكتوريا وألبرت: درع بارجيلو، من القطع التي عرضها المعرض، درع دائرية ضخمة مغطاة بأشكال صغيرة لفرسان وحيوانات بين أوراق الشجر وزخارف متقنة تمثل مشاهد الصيد والحرب. والدرع مرصعة باللؤلؤ، وهي تحفة فنية من الأعمال المعدنية. وقد وجدت هذه الدرع طريقها إلى فلورنسا سنة 1599 وعثر عليها داخل مستودع للأسلحة يعود للدوق فرديناندو ميديشي في نهاية القرن السادس عشر.
وتشير التقارير إلى أن هذه القطعة الفنية ربما تكون هدية دبلوماسية بعد أن تم فتح طرق تجارية بين أوروبا وجنوب آسيا، وذلك بعد وصول المستكشف فاسكودي غاما إلى الهند سنة 1490. لقد قادت تلك الطرق التجارية إلى تبادل البضائع والمعلومات الثقافية، وإلى ارتفاع عمليات التبادل الدبلوماسي للهدايا. والدرع كانت ضمن معروضات متحف بارجيلو الوطني في مدينة فلورنسا، إيطاليا.
سيدة السجاد
اشتهرت فترة “عظماء المغول” بصناعة السجاد التي شكلت عصب اقتصاد هذه الإمبراطورية. ويشير كتاب (أكبر نامه) إلى وجود حائكي السجاد في كل مدينة خلال عصر الأمير أكبر، على الرغم من أن أسماء هؤلاء الحرفيين غير معروفة حتى الآن.
وتختلف حياكة السجاد المغولية عن حياكة السجاد في إيران وآسيا الوسطى وحتى الإمبراطورية العثمانية والصين، وذلك بسبب الألوان وأسلوب حياكة هيكل السجادة. والسجاد المعروض في هذا المعرض يتميز بالجمال والتعقيد من الناحية الفنية، إذ تظهر وكأنها لوحة فنية.
تيمور يسلم تاج الإمبراطورية إلى بابر
المغول من السلالات التي تفتخر بأن لها روابط بآسيا الوسطى، إذ امتدت إمبراطوريتهم خلال عهد تيمورلنك من سواحل البحر المتوسط إلى المحيط الهندي، ثم إلى بوابة الصين. وعلى الرغم من أن تيمورلنك عاش ما يقارب القرن من الزمن قبل حفيده بابر، فإن تقديم بابر نفسه على أنه الوريث الشرعي لتيمورلنك كان مهما بالنسبة له ولوريثه على حد سواء.
وقد صورت إحدى اللوحات الفنية المعروضة في المعرض، وهي مرسومة على الورق بألوان مائية، تيمور وهو يسلم تاج الإمبراطورية إلى بابر، كاعتراف بأنه الوريث الشرعي لتيمور. ويعد هذا العمل دليلا على اهتمام بابر بالفن.
مقلمة (حقيبة أقلام)
كانت غوجرات واحدة من أغنى ولايات الهند، وقد شهدت ازدهارا كبيرا لحركة الفن، وتميزت بعقد الورش الفنية للرسامين والنحاتين والنساجين والحرفيين. وفي هذا المجال قدم المعرض قطعة فنية غاية في الجمال، هي عبارة عن مقلمة من العاج الأسود تمثل منظرا جميلا.
ختم أولوغ بيك
يعود تاريخ الختم المعروض إلى القرن الخامس عشر، وهو عبارة عن قطعة من الحجر الثمين تحمل نقشا بأسماء ستة حكام من التيموريين وحكام آسيا الوسطى إلى المغول.
والنقش على هذا الختم يشير إلى أنه يعود إلى حفيد تيمورلنك أولوغ بيك، ثم انتقلت ملكيته إلى شاه عباس الصفوي في إيران، قبل حيازته من جيهانجير الذي أضاف اسمه إلى الختم بواسطة النقاش سعيداي جيلاني، الذي ظهرت مجموعة من أعماله البارزة في هذا المعرض.
خنجر وغمد
تعد هذه القطعة الفنية أحد الأعمال المذهلة التي يشهدها هذا المعرض، وهي تمثل خنجرا وغمدا مرصعا بأكثر من مئتين وسبعين قطعة من الماس، وستين قطعة من الزمرد، بالإضافة إلى العقيق والعاج، ويعود تاريخها إلى القرن السابع عشر خلال فترة حكم جيهانجير.
عن صحيفة الديلي تلغراف البريطانية