كنوز ميديا // ثقافة وفن
ألقى الشاعر الدكتور لطيف القصاب محاضرة بعنوان “المجامع اللغوية العربية وعوامل الدينامية والجمود” على قاعة اتحاد أدباء كربلاء عبر أمسية أدارها الشاعر نوفل الحمداني وحضرها جمهور الأدب والثقافة في المدينة.
ابتدأ المحاضر بتقديم ثلاث ملاحظات تحدث في الأولى عن بداية نشأة المجامع اللغوية، مشيراً إلى أن أولوية الحضارة العربية في هذا الموضوع وأن الغرب أخذ منها بعد قرون طويلة هذا التقليد. وأن الهم الرئيسي للـ “مجامع” اللغوية العربية القديمة حينئذ هو التعريب والترجمة لاسيما في إطار تعريب كتب اليونان وترجمة المصطلحات الوافدة.
وقال القصاب: وفقا للتتبع الخاص بالمراحل السابقة للحضارة العربية فإن أقدم مؤسسة مجمعية – إن جازت التسمية- تمثلت تاريخيا بلجنة الترجمة التي أنشأها خالد الأموي (85هـ) في دمشق، وذلك لترجمة كتب الكيمياء ونحوها من اليونانية إلى العربية.
وقد لاقت فكرة هذه المؤسسة استحسانا ورواجًا في العهود الإسلامية اللاحقة، فإذا بالخلفاء العباسيين يولون الترجمة والنقل عناية فائقة فاقت أسلافهم من بني أمية، وقد وصلت ذروة ذلك التنافس العباسي للأمويين، حينما شرعوا بتشييد بيت الحكمة أيام الخليفة المأمون. وكما هو معلوم فقد شهد النصف الأول من القرن العشرين إنشاء مجمع القاهرة 1932، ثم مجمع بغداد 1947، ثم مجمع الأردن عام 1976 ثم مجمع الجزائر ومجمع تونس في الثمانينات من القرن الماضي ثم مجمع السودان مطلع التسعينيات ثم مجمع الشارقة ثم مجمع مكة المكرمة بداية الألفية الثالثة، وفي عام 2022 تم تأسيس مجمع اللغة العربية في لبنان برئاسة الدكتورة سارة ظاهر، وبقدر ما يتعلق الأمر باتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية فقد أسس عام 1971 برئاسة الدكتور طه حسين رحمه الله تعالى، وقد اتفق أهل الحل والعقد آنذاك على تشكيل لجنة مؤلفة من مجامع القاهرة، وبغداد ودمشق، لوضع نظام هذا الاتحاد، فاختير الدكتور إبراهيم مدكور أميناً عاماً للاتحاد، والدكتور أحمد عبد الستار الجواري عن مجمع بغداد، والدكتور عدنان الخطيب عن مجمع دمشق أمينين عامين مساعدين.
وعن مجمع القاهرة قال الباحث إن “الملاحظة الرئيسية التي ينبغي تسجيلها هنا تتمثل في حقيقة أن مجمع القاهرة ينشط ويضعف بحسب الظروف، والسياقات التاريخية، وهو في نشاطه هذا متفوق إجمالا على بقية المجامع حتى الرائدة منها. وما يحسب لهذا المجمع الموقر تحديدا أنه أحيا المدرسة الكوفية، هذه المدرسة التي وقعت فريسة لسلطان مدرسة البصرة عبر القرون، وهي المدرسة التي كان الهدف من إنشائها أساسا هو خدمة الأجانب لا العرب بخلاف المدرسة الكوفية التي كان ديدنها العام تعليم العربية لأبنائها، وتصحيح ما قيل إنها أخطاء وقع فيها بعض العرب الأقحاح”. وبحسب الدكتور ياسين أبو الهيجا فإن النظرة الكوفية كانت هي النظرة السائدة في قرارات مجمع اللغة المصري “حتى ليبدو جلّ أعضاء المجمع من اتباع الكسائي والفراء”.
ثم تحدث القصاب عن المدرستين الكوفية والبصرية، مبينا: الحق أنّ الانتصار للمدرسة الكوفية لا يبعث إليه تعصب سوى التعصب للتيسير، وكذا الانفتاح على الرأي الآخر، وتوسيع دائرة الاجتهاد والاستنباط اللغوي، والمعروف لدى أهل الاختصاص أن في مدرسة الكوفة مرونة لا يتسع لها صدر البصريين غالبا، من ذلك أن علماء الكوفة كانوا أكثر قبولًا، أو تقبلا للذخيرة اللغوية العربية في لهجاتها المختلفة، كلغة “أكلوني البراغيث”، إذ الفعل مزيد بعلامة جمع خلافا لما هو معهود في الاستعمال اللغوي العام، حيث الفعل يكون مفردا وإن كان الفاعل جمعا بحسب اشتراطات البصريين، “ولا يزال هذا التركيب أي ما يعرف بلغة أكلوني البراغيث حاضرا بقوة في الدارجة العراقية كقولنا مثلا: وصلوا الضيوف، ولعبوا الأطفال…الخ، ناهيك بوجوده في لغات سامية أخرى كالعبرية والآرامية”. والكوفيون كما هو شائع عنهم يُجيزون النسبة إلى الاسم المجموع، بخلاف البصريين الذين يمنعون ذلك في من يقول عقائدي، ويلزمونه بأن يقول عقدي، ونحو ذلك، وعليه من الصحيح بحسب الكوفيين أن تقول: كتبي، وملوكي، ورجالي… الخ، “وهو الأمر الذي لا يرتضيه قدماء البصريين وأشياعهم من المعاصرين”. وفي ملاحظة أخرى للباحث أوضح: اقتصَرَ المجمَعُ العلمي العراقي في بداية تأسيسِه على اللُّغة العربية. وفي سنة 1963 أُسِّسَ مَجْمَعانِ عِلْميانِ آخران: الأول للُّغة السُّريانيَّة، والآخر للُّغة الكرديَّة، ثُمَّ دُمِجَت المجامع اللُّغَوِيَّة الثلاثة: العربيَّة، والكرديَّة، والسُّريانيَّة، سنةَ 1978 ضمن مَجْمَعٍ عِلْميٍّ واحدٍ وهو المَجْمَعُ العِلْميُّ العراقيُّ.
ثُمَّ صَدَرَ قانونٌ جديدٌ سنةَ 1996، أُعيد بموجبه تنظيمُ المجمعِ العلميِّ، فتوسَّعَت اهدافُه لتَشمَلَ التخصصاتِ العلميَّةَ والتِّقْنِيَّةَ كافةً، ولا تَحصُرَها بتخصُّصات اللُّغاتِ العربيَّةِ والكرديِّةِ والسُّريانيَّةِ، والتراثِ العربيِّ والإسلاميِّ، بل امتدَّتْ لتشمَلَ تخصصاتِ العلومِ التطبيقيَّةِ، والهندسيّةِ، والزِّراعيَّة، والفلسفيَّةِ، والقانونيَّةِ، والٱقْتصاديَّةِ، والمعلوماتِ العامة، لإثراءِ المعرفةِ الإنسانيَّة، وتوظيفِ هذه المعرفة لخِدْمة التنميةِ في العراقِ والبلادِ العربيَّةِ والإسلاميَّة؛ ليقترب عملُ المجمعِ أكثرَ فأكثرَ إلىٰ مفهومِ عَمَلٍ يُعرَفُ في دُوَلِ العالَمِ المتقدمة بـ «أكاديميَّاتِ العلوم» التي تضُمُّ عادةً كبارَ العُلَماءِ والمُفَكِّرينَ والمُبدِعين. وفي جانب آخر من محاضرته، قال: بقدر ما يتعلق بصلب عنوان هذا البحث هل يحق لنا أن نقارن بين كل جهود مجمع بغداد الموقر في عهد ما بعد التحول السياسي وجهود المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات القطري أو معجم الشارقة الذي أسس عام 2016 وهما يكادان ينجزان كتابة معجمين تاريخيين للعربية! وللتنويه فإن من بعض فوائد المعجم التاريخي لا كلها ما يأتي: توثيق تطور الكلمات ودلالاتها، وإثبات ما تحتمله من معان متقاربة أو متباعدة
ويُظهر كيف تغيّرت معاني الكلمات بمرور الزمن. ويساعد في فهم السياق التاريخي للنصوص القديمة. يوضح أصول الكلمات والاشتقاقات عبر العصور المختلفة.
ويدعم الدراسات اللغوية والأدبية ويُعدّ أداة أساسية لعلماء اللغة، والباحثين، والمحققين.
ويحافظ على التراث اللغوي العربي ويُوثّق الكلمات النادرة أو المنسية قبل اندثارها. ويُظهر مدى غنى اللغة العربية وتنوع ألفاظها. ويعزز الترجمة وفهم النصوص القديمة ويُساعد في ترجمة المصطلحات التاريخية بدقة أكبر.ويُوفر مرجعًا موثوقًا لفهم الكلمات في سياقاتها الأصلية. ويُساعد في وضع مناهج أكثر دقة وشمولًا.
وقد شهدت الأمسية مداخلات عديدة قدمها كل من: الباحث الدكتور حسن عبيد عيسى، الإعلامي تيسير الأسدي، الشاعر حسن الفتال، الشاعر صلاح السيلاوي، الشاعر الدكتور قصي الأسدي، الروائي علي لفته سعيد، القاص حمودي الكناني، الشاعر عدنان الموسوي، والإعلامي صباح أبو دكة.