فرّوج

كنوز ميديا _ د.أمل الأسدي

تروي لنا أمي عن جدتها قصةً عن شابٍّ صالحٍ ، كان يحب والديه كثيرا ويبر بهما، وبعد وفاة والده بقيت والدته عنده، وكان يوصي زوجته برعايتها ويشدد عليها بذلك ولاسيما وقد ضعف نظرها كثيرا.

كان هذا الابن يحضر معه فرّوجة صغيرة كلّ يومين، ويوصي زوجته أن تطبخها جيدا لأمه؛ كي تستعيد عافيتها ويقوی نظرها، فتأخذها الزوجة وتطمئنه، وفي اليوم الثاني تستكثر علی أمه أكل الفروجة، فتصطاد ضفدعا من حديقتهم وتطبخه بدل الفروجة وتقدمه لعمتها(أم زوجها) ومع أن الأمّ رؤيتها مشوشة بسبب ضعف النظر؛ إلا أنها كانت لاتستسيغ الأكل وتشعر بريبة تجاهه ولكنها لاتتكلم ولاتخبر ابنها!

بقيت الأم علی هذا الحال فضعفت أكثر وساءت صحتها وتوفيت.

ومضت الأيام وكبر الابن وكبرت زوجته، وكبر ابنهما أيضا، وسبحان الله كان الابن(الحفيد) بارا بوالديه مثل أبيه تماما، فهو يشبهه في الشكل والسلوك، وحتی بعد وفاة والده بقي يراعي أمه كما كان والده يراعي جدته، وصار كل يوم يأتي بـ( فروجة) ويطلب من زوجته أن تطبخها لأمه.

كانت زوجته امرأةً صالحة، ولم تستكثر علی أمه(الفروجة) فتنظفها وتطبخها علی أحسن وجه، ولكنها كلما أتت لسكب الطعام، وجدت الفروجة قد تحولت الی ضفدع!

أخفت الأمر يومين وهي محتارة وخائفة، ثم انفجرت بالبكاء وأخبرت زوجها بما يحدث!

فقرر الابن إخبار أمه بالموضوع، فروی لها كيف أن الفروجة تتحول الی ضفدع بقدرة القادر!

فبكت أمه وقالت: اني اعرف ليش يمه!

شزرعت بيدي جنيت! شسويت ابيبتك صار بية!!

 

انتهت القصة، وما أجملها من قصة!

وما أعظمها من حكمة!

هذه هي الحياة، عجلة تدور، يتبدل الأشخاص وتتغير الأسباب وتبقی الوقائع، وها نحن قد ودعنا شهر التراحم والمحبة والاجتماع، واستقبلنا شهر العيد والتواصل والاجتماع أيضا، وفي الحياة من اختار أن يكون فاعلا عاملا، متدينا سلوكا! فتواصل وحث أولاده علی التواصل وبر الوالدين!

وهناك من اختار طريق القطيعة والجفاء والتدين الشكلي، فصام أو صامت من دون أن يتواصلا مع الأم والأب!

وصامت وعيّدت ولم تزر أهل زوجها، ولم تحث اولادها علی زيارة بيت الجد!

فكم من ابن أخ لايعرف عمته؟ وكم من ابن أخت لم ير خالته منذ سنوات؟ وكم من جدةٍ بقيت عينها علی الباب تنتظر ابنها وزوجته وأولادهم؟ وكم من أب بقي ينتظر صوت الباب؟

وكم من الموازين اختلت؟ فأهل الأم لهم الحق والحظ والحظوة وأهل الأب من المنبوذين أو العكس!

فهل يمتلك الإنسان الجرأة علی المراجعة والاعتراف والتصحيح قبل فوات الآوان، قبل أن تمضي به الأيام وتدور العجلة به، فيذوق ما كان يسقيه لغيره؟!

هل يستطيع المراجعة قبل أن تصبح يده قصيرةً وعاجزة، ويصبح عالمه صامتا ساكنا مظلما ولايتذكره أحد؟

نحن بحاجةٍ ماسة الی تفعيل” الدين معاملة”

“الدين سلوك”

” القرآن دستور” قبل أن يقول الفرد: ((…رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ))

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى