في التاسع من نيسان : ذاكرة مُثقلة بالدماء .. من إعدام الصدر الخالد ، إلى سقوط دكتاتور العصر ، وجراح ما بعد التغيير ؟

بقلم / الخبير بالشأن السياسي والأمني طه حسن الأركوازي

 

في مثل هذا اليوم ، التاسع من نيسان يستحضر العراقيون محطات مفصلية ومؤلمة في تاريخهم الحديث حيثُ تتداخل في هذا التاريخ ذكرى جريمة بشعة تمثلت بإعدام المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر وشقيقته العالمة العلوية بنت الهدى عام 1980 على يد نظام الطاغية صدام ، مع ذكرى أخرى لا تقل مرارة ، سقوط بغداد ودخول القوات الأمريكية إلى العاصمة بغداد عام 2003 ، إيذاناً بسقوط ذلك النظام البعث الصدامي في العراق .

 

قبل خمسة وأربعين عاماً وفي التاسع من نيسان عام 1980 ، أقدم نظام صدام حسين على إزهاق روح قامة فكرية ودينية بحجم السيد محمد باقر الصدر ، الذي تصدى بفكره ومنهجه لحكم القمع والاستبداد ، وكانت شقيقته العالمة بنت الهدى سنداً له في هذا النهج ، مثلت جريمة إعدامهما فصلاً دامياً في سجل أنتهاكات النظام البعثي بحق الشعب العراقي ورموزه ،

بعد مرور ثلاثة وعشرين عاماً على تلك الجريمة ، وفي التاسع من نيسان عام 2003 ، دخلت القوات الأمريكية بغداد بعد أسابيع من القصف والمعارك غير المتكافئة التي بدأت في شهر آذار من العام نفسه ، وبينما أستبشر أغلب العراقيين بسقوط نظام طالما أذاقهم الويلات وأقحمهم في حروب عبثية ومن ثُم حصار جائر وظالم ، سرعان ما تحولت الفرحة إلى خيبة أمل وربما ندم ، فبدلاً من فجر جديد يحمل معه الحرية والازدهار ، وجد العراقيون أنفسهم في دوامة من الفوضى والنهب والعنف الطائفي والإرهاب الذي أستمر لعقود .

 

لقد أستند الغزو الأمريكي للعراق إلى إدعاءات بأمتلاك النظام الصدامي لأسلحة دمار شامل وهو ما ثبت زيفه لاحقاً ، وبغض النظر عن دوافع الحرب وتبريراتها فإن نتائجها كانت وخيمة على العراق وشعبه ، فبالإضافة إلى الخسائر البشرية الهائلة وتدمير البنى التحتية ، شهد العراق فراغاً أمنياً أستغلته قوى الظلام والتطرف لتعيث فساداً وتزرع بذور الفتنة ، كما لا يمكن إغفال ما تعرض له المتحف العراقي من نهب وتخريب ، مما يمثل خسارة فادحة للتراث الإنساني والإرث الحضاري للعراق .

 

إن تزامن ذكرى أستشهاد السيد الصدر مع ذكرى سقوط نظام صدام يحمل دلالات عميقة بالنسبة للعراقيين ، ففي الأولى يستذكرون قامة وطنية ودينية رفضت الظلم ودفعت حياتها ثمناً لمبادئها ، وفي الثانية يتذكرون نهاية حقبة دكتاتورية ، لكنهم في الوقت نفسه يستحضرون الآثار الكارثية التي ترتبت على طريقة هذا التغيير وما تلاه من فوضى وصراعات .

 

لقد كان سقوط تمثال صدام في ساحة الفردوس رمزاً لنهاية حقبة لكنه لم يكن بالضرورة بداية لحقبة أفضل ، فالعراق الذي عانى من الحروب والحصار في ظل النظام السابق ، وجد نفسه يواجه تحديات جديدة بعد عام 2003 تمثلت في الفساد المستشري ، والمحاصصة المُقيتة ، والانقسام السياسي العميق ، والعنف المستمر بأشكال مختلفة ، مما أثر سلباً على حياة المواطنين وتطلعاتهم .

 

اليوم وبعد مرور أكثر من عقدين على سقوط النظام ، لا يزال العراقيون يعانون من تداعيات الماضي ، فجراح الاستبداد لم تندمل تماماً وآثار الفوضى التي أعقبت الغزو لا تزال ماثلة .

 

إن أستذكار التاسع من نيسان يجب أن يكون مناسبة للتأمل في مسيرة العراق ، وأستخلاص الدروس من الماضي المرير ، والسعي نحو بناء مستقبل أفضل يقوم على الوحدة الوطنية الحقيقية ، والعدالة الاجتماعية ، وسيادة القانون ، وطي صفحة العنف والتطرف .

إن إحياء ذكرى السيد محمد باقر الصدر وأخته بنت الهدى هو أ ستذكار لقيم الشجاعة في وجه الظلم والتضحية من أجل المبدأ ، وفي الوقت نفسه ، فإن التفكير في تداعيات سقوط نظام صدام يجب أن يدفع العراقيين إلى العمل بجد لتجاوز إرث الفوضى والعنف ، وبناء دولة قوية ومزدهرة تحترم حقوق جميع مواطنيها ، وتضمن لهم حياة كريمة وآمنة ومستقبلًا يستحقونه …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى