الحفاظ على التراث الإيزيدي: مسؤولية وطنية ودولية
بقلم _ حسن عبد الهادي العكيلي
يمثل التراث الإيزيدي حجر الزاوية في الهوية الثقافية العراقية، فهو ليس مجرد سجل للماضي، بل هو مرآة تعكس تنوع الحضارات والتجارب الإنسانية على مر العصور. في زمن يتأرجح بين التحديات الأمنية والتغييرات الاجتماعية، يصبح الحفاظ على هذا التراث مسؤولية جماعية تتطلب جهودًا متكاملة من الحكومة، المجتمع المحلي، والمنظمات الدولية، لضمان انتقال هذا الإرث الثمين للأجيال القادمة.
يحمل التراث الإيزيدي بين طياته مزيجًا فريدًا من المعتقدات الدينية، الطقوس التقليدية، الفنون المتنوعة، واللغة التي تُعد وعاءً لتاريخ طويل من الحضارة. فالمعابد القديمة والمواقع الأثرية في سنجار وغيرها من المناطق ليست مجرد بُنى حجرية، بل هي قصص حيّة تسرد فصولاً من التاريخ والإيمان، وتعبّر عن صمود مجتمع واجه صعابًا عديدة. كما تُعتبر اللغة الإيزيدية أحد أهم الركائز التي تحفظ التراث الفكري والأدبي لهذا الشعب، ورغم تحديات العصر الحديث فإنها لا تزال تحتفظ بسحرها الذي يربط الماضي بالحاضر.
ولا يخفى على أحد أن التراث الإيزيدي يواجه عدداً من التحديات الجسيمة التي تهدد استمراريته، منها:
عمليات التخريب والتدمير:
فقد شهدت العديد من المواقع التراثية عمليات تخريب ممنهجة، نتيجة للصراعات السياسية والعنف الطائفي، مما أسفر عن فقدان بعض الكنوز التاريخية وتدهور الحالة العامة للمعالم الدينية.
الإهمال ونقص التمويل:
تفتقر العديد من المبادرات الرامية لترميم وصيانة المواقع الأثرية إلى الدعم المالي الكافي، ما يؤدي إلى تأخر أعمال الترميم وتعريض هذه الكنوز الطبيعية لمزيد من التآكل.
النزوح والشتات:
فقد أدت موجات النزوح القسري والصراعات إلى تشتت أفراد المجتمع الإيزيدي، مما أثر سلباً على نقل التراث والمهارات التقليدية بين الأجيال، وأضعف من الروابط الثقافية التي تُعتبر عاملاً أساسياً في الحفاظ على الهوية.
غياب التشريعات الفعالة:
بالرغم من الجهود المبذولة، لا تزال هناك ثغرات قانونية تحد من حماية التراث الإيزيدي، ما يجعل من الضروري سن قوانين صارمة تُلزم الجهات المختصة بمحاسبة كل من يحاول الإضرار بالموروث الثقافي.
وبات الاستناد الى رؤية استراتيجية لحماية التراث الإيزيدي وتبني سياسة متكاملة تتضمن المحاور التالية امراً حتمياً :
ضرورة البدء بمشاريع ترميم شاملة للمعابد والمواقع التاريخية المتضررة، مع تطبيق معايير دولية للحفاظ على سلامتها.
– تعزيز الإجراءات الأمنية حول المواقع التراثية لمنع أي محاولات تخريب أو سرقة، وتوفير بيئة آمنة للباحثين والسياح.
الاستفادة من المواقع الأثرية لتحويلها إلى محطات تعليمية تروّج للتاريخ والثقافة الإيزيدية، مما يسهم في تنمية السياحة الثقافية ودعم الاقتصاد المحلي.
إدراج اللغة والثقافة الإيزيدية ضمن المناهج التعليمية في المدارس والمراكز الثقافية، مما يضمن نقل التراث إلى الجيل الجديد.
تشجيع الفنانين والكتاب الإيزيديين من خلال دعم ورش العمل والمعارض الفنية والمهرجانات .
الاستفادة من التقنيات الرقمية لتوثيق التراث الإيزيدي ونشره على منصات الإنترنت، ما يتيح الوصول إليه عالميًا ويساهم في الحفاظ عليه من النسيان.
– تفعيل التعاون مع منظمات مثل اليونسكو والمؤسسات الثقافية العالمية لتأمين الدعم الفني والمالي، وتوثيق التراث ضمن قوائم التراث العالمي.
– العمل على تحديث الإطار القانوني لحماية التراث، مع فرض عقوبات رادعة على كل من يعتدي على هذا الموروث الثمين.
– إطلاق حملات إعلامية محلية ودولية تُبرز أهمية التراث الإيزيدي وتُحفّز على الحفاظ عليه، مع إبراز قصص النجاح والجهود المبذولة في هذا المجال.
ولاشك ان المجتمع الدولي يلعب دوراً محورياً في دعم جهود الحفاظ على التراث من خلال تقديم المساعدات الفنية والمالية، وتوثيق الإنجازات ضمن برامج التراث العالمي.
ويمكن للقطاع الخاص، من خلال الاستثمارات في السياحة الثقافية والمشاريع التنموية، أن يسهم في دعم صيانة وترميم المواقع الأثرية، مما يخلق فرص عمل ويسهم في التنمية الاقتصادية للمناطق المتضررة.
إن حماية التراث الإيزيدي ليست مجرد واجب ثقافي، بل هي رسالة إنسانية وإنجاز حضاري يتطلب التكاتف بين جميع أفراد المجتمع. إن الحفاظ على هذا الإرث يعني حماية هوية شعب وصون تاريخ طويل من الصمود والإبداع، وهو استثمار في مستقبل يعمه السلام والتنوع. من خلال التضافر بين جهود الحكومة، المجتمع المحلي، والمنظمات الدولية، يمكننا أن نضمن أن يظل التراث الإيزيدي نبراساً يضيء دروب الأجيال القادمة نحو مستقبل مشرق يعكس قيم العدالة والتسامح والتعايش السلمي.