العراق ساحة التوتر بين أمريكا وإيران: خطر المواجهة ومصير القواعد العسكرية
بقلم _ د. محسن حنون العكيلي
في ظل التصعيد المتزايد في المنطقة، تلوح
في الأفق بوادر مواجهة محتملة بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وسط سعي أمريكي–إسرائيلي لإعادة خلط الأوراق في الشرق الأوسط، وإحداث تغييرات جذرية في موازين القوى، خصوصًا بعد سلسلة من الاستهدافات الغامضة التي طالت العمق الإيراني عبر الأجواء العراقية.
– أمريكا وإسرائيل: الضغط أم الحرب؟
التحركات الأخيرة تشير إلى محاولة أمريكية إسرائيلية لتصعيد الضغط على إيران، بهدف انتزاع تنازلات سياسية أو فرض شروط في ملفات شائكة كالاتفاق النووي والنفوذ الإقليمي. إلا أن دوافع هذا التصعيد تتجاوز مجرد الضغط، فهناك إشارات إلى إمكانية الدفع نحو حرب حقيقية، خاصةً بضغط إسرائيلي مباشر من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي بات يُعرف بخططه لخلط أوراق المنطقة بهدف الحفاظ على موقعه السياسي.
– إيران: الاستعداد الكامل للمواجهة
في المقابل، الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تبدو مترددة أو متخوفة من أي مواجهة، بل على العكس، أظهرت استعدادًا كاملًا للرد على أي استهداف عسكري، أياً كانت الجهة المنفذة أو الدولة المنطلقة منها الضربة. وأكدت القيادة الإيرانية مرارًا أنها سترد مباشرة على مصادر النيران، دون تمييز في الموقع الجغرافي، ما يعني أن القواعد الأمريكية أو المرتبطة بإسرائيل في أي دولة ستكون أهدافًا مشروعة.
– رسائل تحذير للدول الخليجية
تلقّت كل من قطر والإمارات رسائل مباشرة من إيران، تطالبها بتجنب التورط في أي صراع محتمل، ووصل الأمر إلى حد مطالبة هذه الدول بإخلاء القواعد الأمريكية. وتشير المعلومات إلى أن هذه الدول دفعت من مالها الخاص لتفريغ بعض القواعد ونقلها إلى مواقع أبعد في المحيط الهندي، تجنبًا لردود الفعل الإيرانية المحتملة.
– العراق: قلب العاصفة
تكمن العقدة الأساسية في العراق، الذي تحوّل عمليًا إلى ساحة عمليات إسرائيلية–أمريكية، حيث تشير التقارير إلى وجود عشرات الطائرات الإسرائيلية في الأجواء العراقية، بعضها في مهام تدريبية وأخرى للتزود بالوقود، مع وجود نشاط استخباراتي مكثف. وتفيد معلومات مؤكدة أن الضربة الأولى التي تعرضت لها إيران قبل أشهر، تم استهداف ثلاث محافظات إيرانية عبر الأجواء العراقية.
هذا التطور دفع إيران لإبلاغ الحكومة العراقية، ووزارة الخارجية، والجهات الأمنية والسياسية برسائل رسمية واضحة بأنها سترد على أي استهداف ينطلق من الأراضي العراقية، وأن أي ضربة مستقبلية ستمثل إعلان مواجهة، وستُقابل برد عسكري مباشر على القواعد الأمريكية والمراكز الاسرائيلية الموجودة في بغداد والمحافظات والمعروفة لدى الجمهورية هذه المراكز تدار من قبل المخابرات الأمريكية والموساد الاسرائيلي.
– انكشاف السيادة العراقية
يشير هذا الواقع إلى خلل عميق في السيادة الجوية العراقية، حيث تفتقر البلاد إلى منظومة دفاع جوي فعالة، بل وحتى أنظمة الدفاع الموجودة لا يمكن استخدامها بحرية بسبب الفيتو الأمريكي المفروض على العراق. وقد حاولت بعض الحكومات العراقية، مثل حكومة العبادي، عقد صفقات مع روسيا للحصول على منظومات S-400، إلا أن الضغط الأمريكي حال دون إتمامها.
بل إن الجمهورية الإسلامية، حسب مصادر موثوقة، أعربت عن استعدادها لتزويد العراق بمنظومة دفاع جوي متطورة، بل مجانًا، إلا أن القرار السياسي العراقي ما زال مكبلًا بالتبعية والضغط الأمريكي، ما يضع الشعب العراقي أمام تحدٍ خطير يتصل بأمنه الوط
– المعاهدات والخرق الدستوري
وفقًا للدستور العراقي، وأيضًا بناءً على الاتفاقية الأمنية الموقعة مع واشنطن، يُمنع استخدام الأراضي العراقية للاعتداء على دول الجوار. غير أن ما يجري فعليًا يناقض هذه المبادئ، حيث تم استغلال الأجواء العراقية سابقا لشن ضربات على إيران من قبل الكيان الصهيوني بموافقة أمريكية، دون قدرة بغداد على ضبط هذه العمليات أو حتى الاعتراف بوجودها رسميًا.
إن ما نشهده اليوم ليس مجرد تحرك عسكري عابر، بل مشروع مواجهة متكاملة الأركان يجري الإعداد لها بدقة، وسط غفلة أو عجز من بعض الأطراف الإقليمية، وعلى رأسها العراق. إن استمرار العراق في موقع “الساحة المفتوحة” دون غطاء دفاعي أو قرار سيادي حقيقي، سيجعله أول من يدفع ثمن أي مواجهة قادمة.
على الحكومة العراقية، إن أرادت الحفاظ على استقلالها وأمن شعبها، أن تتخذ موقفًا حاسمًا: إمّا بالتحرر من الضغط الأمريكي، أو على الأقل بتحييد أرضها عن صراعات لا طائل لها سوى مزيد من الدماء والدمار.