كاكا آراس… بين الأرز اللبناني والنخيل العراقي ينبض قلب واحد

حوار صحفي 

بقلم _ د . بتول عرندس 

 

في زمنٍ تتداخل فيه الهويات وتتشظى فيه الولاءات يبرز رجل كُتب اسمه بهدوء على صفحات المشهد السياسي والاقتصادي دون أن يحتاج إلى رفع صوته أو تغيير جلده رجل يشبه النهر الكردي حين ينحدر بثبات ويشبه السهل اللبناني حين يحتضن الحكاية ويكتبها برقة ذلك هو كاكا آراس حبيب كريم الرجل الذي جمع في ملامحه مزيجًا من التقاليد الكردية الأصيلة والنَفَس اللبناني العاشق للحياة رجلٌ لا يُقاس حضوره بعدد المناصب التي شغلها بل بعمق أثره في اللحظات التي غيّرت مجرى الطريق كاكا آراس هو ذلك الرجل الذي مشى بين الأسماء الكبيرة دون أن يُحدث ضجيجًا ولكنه حين يتحدث يُنصت التاريخ ولد عام 1964 من رحم الجبال الكردية العراقية لكنه لم يحصر انتماءه في العرق والجغرافيا جذوره تغوص في تراب العراق غير أن قلبه خفق للبنان أيضًا فحمل جنسيته وتزوج من إحدى بناته ليجمع في بيته بين دفء الجنوب اللبناني وصلابة الشمال العراقي آراس حبيب كريم ابن جامعة بغداد تخرج منها لا ليحمل شهادة فقط بل ليبدأ منها رحلة لا تشبه سواها لم يكن تلميذًا في السياسة فحسب بل كان رفيق درب لرجل بحجم أحمد الجلبي اقتسم معه الخبز والحوارات الوطن والمسافرات الحلم والتوجّس حتى إذا ما غاب الجلبي تولّى آراس الراية في المؤتمر الوطني العراقي دون أن يتغيّر نَفَسه أو يختل ميزانه رجل أعمال يُتقن لعبة الاقتصاد كما يُتقن الإصغاء لموجات التغيير له أربعة أولاد ولكن العراق في وجدانه هو الابن الخامس يُربّيه على عين التوازن بين المصالح والرؤى بين العاطفة والعقل بين ماضٍ لم ينسه ومستقبل لا يغيب عنه ليس صاخبًا كغيره من السياسيين بل هادئ كحكمة الكردي حين يتكلم وصادق كلبنانيٍّ ينتمي للضيعة بوفاء وبين سطور حياته نجد سيرة رجل لم يبع وطنًا ولم يشترِ منصبًا بل اختار أن يكون ظلًّا لمن أحب العراق وأحبوه

 

لم يكن كاكا آراس مجرّد رجلٍ في الظل بل كان عينًا مفتوحة على العراق حتى حين أغمض الآخرون أعينهم

منذ سقوط النظام عام 2003 لم يتعامل مع المشهد كفرصة شخصية بل كوجع جماعي

رافق أحمد الجلبي في تفاصيل المرحلة وفي كواليس الحلول قبل أن تتحول الوجوه الأمريكية من شركاء إلى محتلين

لم ينخدع بالبريق الزائف ولا بالمؤتمرات الباذخة بل بقي نظره مسمّرًا على العراق

لم يساوم ولم يتراجع حتى عندما تصادم مع الأمريكيين

لم ينجُ من وجع القرار ولا من أوجاع الانتماء

اختار المنفى في لبنان لا لأنه أدار ظهره بل لأنه أراد أن يحمي ما تبقى من الحلم

كان في بيروت جسدًا لكن قلبه على بغداد

 

كردستان كانت روحه كما يصفها

وفي ذاكرته طفل في الثامنة من عمره يركض داخل نفق جبلي هربًا من قنابل صدام حسين

يحمل ذاكرة وطن محفوف بالخوف والجراح

كان والده مناضلًا لا يعرف المهادنة

ربّاه على أن يكون العراق هو الهدف لا الكرسي

وكان يردّد عليه أن المنظومة الفاسدة لا تسقط إلا برجال يؤمنون لا برجال يتزلفون

 

آراس لا يراوغ في توصيف اللحظة

هو ابن الطفولة الصعبة ومرآة الحقيقة المرّة

يرى العراق اليوم بحاجة إلى نهضة من الداخل

إلى ما هو أعمق من الشوارع المعبدة والأرصفة الملونة

نهضة ترفض الانصياع للمطبلين والمزمرين الذين يظهرون مع كل موسم انتخابي

يريد لشعب العراق أن يفتح عينيه جيدًا

أن يدرك أن السياسيين لا يختلفون كثيرًا في الشكل ولكن الوطن يحتاج لمن يختلف في العمق

 

العراق ليس بلدًا فقيرًا

هو أرض البترول والمياه والسهول والجبال

لكنه بحاجة إلى شباب يؤمنون بالتغيير لا بالتبرير

إلى جيل يعيد الحياة للصناعة والزراعة

إلى دولة تعتمد على نفسها لا على الآخرين

إلى مشروع وطني لا إلى خطابات حزبية

 

في كاكا آراس صورة لابن العراق الذي لم ينسَ الجبل ولا النفق

لكنه أيضًا لم ينسَ أن الحلم لا يُصنع بالخوف

بل بالإرادة والرؤية والثبات

وها هو اليوم يرفع صوته بحذر

يدعو إلى عراق للجميع

لا عراقًا يُكتب باسم شخص أو طائفة أو حزب

 

وتمنّى كاكا آراس كما انتفضت البصرةُ من غبار الإهمال ووقفت كربلاء على قدميها تشدُّ من عزم الزائر والمقيم وكما تزيّنت أربيل بثوب الحداثة وزهَت السليمانيةُ بفكرها وثقافتها أن يمتدّ التغيير إلى ما تبقّى من الوطن المبتور أن يفيق نينوى من وجع الخراب وتقوم الأنبار من رمادها أن تنهض ديالى وتعود صلاح الدين لألقها أن تتحوّل مدن العراق كلّها إلى قوافل نور لا إلى خرائط وجع

 

يريد لو أن كل محافظة تصير بيتًا لا خندقًا

وكل شارع قصة لا مأساة

وكل شاب شمعة لا وقودًا لصراعات الكراسي

 

يريد لو أن تُقرَع الطبول للعقل لا للجهل

أن يُفرَش الوطن بالكرامة لا بالشعارات

وأن يُنتخب من يُحب العراق لا من يُحب نفسه

 

رسالتي إلى الحشد الشعبي أنتم أبناء أبو مهدي المهندس الذين لبوا نداء المرجعية ودافعتم عن الوطن حتى آخر نفس ابقوا كما أرداكم على خطه الشريف بعيدين عن متاهات السياسة حافظوا على طابعكم المجاهد الذي لا يلين أنتم من جسدتم نية البناء والوحدة فاستمروا على هذا الطريق ففيه فخر العراق وقوت

 

فهل يفيق العراق ذات شمسٍ على جيلٍ لا يرى في الماضي جذورًا للولاء بل درسًا للنهضة؟

وهل نكتب للوطن أخيرًا بيتًا على وزن الكبرياء وقافية الكرامة؟

 

لبنان…

ذاك القلب الذي لا يعرف أن ينبض لنفسه وحده

ذاك الجبل العتيق الذي كلّما ضاق تنفّس العراق عنه

يحمله كاكا آراس في قلبه لا في جواز سفره

يعرف شوارعه كما يعرف قراه

ويخاف على بيروته كما يخاف على بغداد

يراه قطعة من روحه لا دولة على الخارطة

 

يتمنّى له أن يعود سويسرا الشرق

أن يغسل وجهه من رماد الحرب

أن تعود أرزه شامخًا لا شاهدًا على الألم

وأن تعود ضحكة أطفاله تشبه ضوء البحر لا صدى الرصاص

 

يقولها بصوت يشبه الحنين

لبنان ليس وطناً عابرًا

هو الامتداد الطبيعي لوجدان العراق

هو بيت لا تسقط جدرانه وإن أوجعته الريح

 

يرى فيه كاكا آراس صلة دم وثقافة

ولا يتردّد أن يشتري من أرضه ما استطاع

لا من أجل التملك بل لدعم اقتصاد وطنٍ يحبّه

يشعر أن شعبه أبناؤه وأن وجعه وجعه

وإذا ضاقت بيروت حملها كأم لا كعاصمة

 

يتأمّل مشهد الكهرباء حين تأتي من العراق

ست ساعاتٍ من نور لا تكفي لبنان ولكنها تكشف نبل بغداد

ويرى أن يد العراق حين تمتد للبنان

ليست يد سياسة بل يد أخٍ يعرف أن الدم لا يُقطع بخطوط الجغرافيا

 

يتذكّر كاكا آراس رجلاً حكيمًا اسمه نبيه بري

لا يذكره كسياسي بل كصمّام أمان

يقول عنه

ذاك الذي أنقذ لبنان من السكين الحاد

وحمل الجنوب كمن يحمل طفله الجريح

ذاك الذي حين تُغلق المرجعية العليا أبوابها في وجه السياسة

تُبقي بابها مفتوحًا أمام نبيه بري

لأنها تعرف

أنه رجل لا يخون الوقت ولا يتخلّى عن الموقف

 

لبنان في عينيه بلد التعايش لا التصادم

بلد يُصلّي فيه المسلم والمسيحي في ضوء شمس واحدة

ويريد لهذا الجيل أن يتعلّم الحب لا القتال

أن يحيا لا أن يُدجّن بالحروب

 

وها هو كاكا آراس

ينادي شيعة لبنان بنداء العاقل لا العاتب

يقول لهم

تمسّكوا بهذا الرجل

فالرئيس نبيه بري ليس زعيمًا فقط

بل ظِلُّ حكمةٍ في زمن الضجيج

هنيئًا لكم أن بينكم من لا يزال يشبه الشجرة حين تهبّ العاصفة

نسأل الله له العمر الطويل

والقوة

والعافية

 

يا دروز لبنان

أنتم أبناء الجبل الصلب

أحفاد الذين حملوا البندقية في وجه كل احتلال

لا تسلّموا الراية كما فُعل في بعض بلاد الشام

أنتم حراس الكرامة

وشركاء الدم في معركة الوعي

أنتم أخوة الحسين في لحظة الفقد

وأنتم جنود علي في زمن الالتباس

 

يا أبنائي

في العراق وفي لبنان

أنا الذي خلطت دمي بين جبل وسهل

أنا الذي كتبت اسمي بلغة الرافدين ونطقته شوارع بيروت

أنا الذي أنجبت أولادًا لا يعرفون الحواجز بين الهويتين

بل يعرفون أن النخلة العراقية تستطيع أن تنمو تحت أرزة لبنانية

وأن الجدول الكردي يمكن أن يروي زهرة الجنوب

 

أوصيكم

كونوا شبابًا لا يسكنه الكسل

ولا تستوطنه الجهالة

تعلموا

واقرأوا

وافهموا أن التطور ليس شكلاً بل جوهر

وأن الثقافة ليست كتابًا يوضع على الرف

بل نورًا يسكن العقل ويقود القلب

 

احذروا أن يُغلق باب بلادكم على صفقة

أن يُسلَّم تاريخكم على مائدة تطبيع

أن يُباع وجدانكم في سوق السياسة

فإسرائيل ليست اسمًا عابرًا

بل مشروع اقتلاع

ومحو

وطمس

 

تمسّكوا بولاء أهل البيت

لا تعليكم فتوى متأرجحة

ولا يُخدع وجدانكم ببريق رجل عابر

هذا المشروع

هو مشروع علي بن أبي طالب

المعرفة قبل الولاء

والحق قبل الغلبة

والإخلاص قبل الراية

 

علّموا أبناءكم أن الكرامة لا تورث عبر المناصب

بل تُغرس كما يُغرس الحب في القلب الصافي

وأن الطف ليس رواية

بل طريق

 

أحمل في قلبي خوفًا على العراق ولبنان

ليس من فقر أو حرب

بل من انسلاخ الروح عن أصلها

من نسيان التاريخ

من خيانة المبادئ التي بها عشنا ونجونا

 

كونوا أبناء المستقبل لا عبيده

واكتبوا أسماءكم كما نشيد لا كما رقم

وأحبّوا أوطانكم كما يُحب الأب أبناءه حين يخاف عليهم من الريح

 

بعد هذا الحوار العميق وجدت في كاكا آراس ملامح العراقي الأصيل الذي لم تذُب جذوره رغم المنافي يحمل صفات الكردي الوفي الكريم المتشبث بأرضه والمحب لوطنه حد التضحية رجل لا تُفرّقه الجغرافيا ولا تُغيّره السياسة يجمع العراق ولبنان في قلبه كما تجمع الأم أبناءها في حضنها الكبير وجدت فيه إنسانًا لا يبحث عن سلطة بل عن وطن يليق بأحلامنا جميعًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى