كنوز ميديا – متابعة
في ظل المشهد الفلسطيني المعقد، وبين نيران العدوان الصهيوني على قطاع غزة والتهويد المتواصل في الضفة الغربية والقدس، جاء اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في رام الله ليكون محطّ أنظار القوى السياسية والشعبية. إلا أن هذا الاجتماع، الذي وُصف بأنه قد يكون فرصة لصياغة موقف وطني موحّد، لم يمرّ دون انتقادات حادّة، لا سيّما من قبل حركة المقاومة الإسلامية حماس، التي اعتبرت أن الاجتماع بصيغته الحالية لا يرتقي لمستوى التضحيات الجسيمة التي قدّمها الشعب الفلسطيني.
توقيت الاجتماع وسياقه السياسي
اجتماع المجلس المركزي يأتي في لحظة مفصلية، حيث ما تزال آلة الحرب الصهيونية تفتك بأهل غزة، وعمليات التهجير القسري والاستيطان تتمدد في الضفة الغربية والقدس. ومع مرور أكثر من عام ونصف على اندلاع العدوان الهمجي على قطاع غزة، تُطرح تساؤلات مشروعة حول تأخر مثل هذا الاجتماع وعن فاعليته.
حماس، من جانبها، رأت في الاجتماع فرصة قد تكون تاريخية لتوحيد الصف الفلسطيني، لكنها سرعان ما عبّرت عن تحفظها بسبب غياب التمثيل الشامل للقوى الوطنية والفصائل الفلسطينية.
غياب الإجماع الوطني
الانتقاد المركزي الذي وجّهته حركة حماس هو أن الاجتماع تم بشكل ناقص، لا يُعبّر عن إجماع وطني حقيقي، ولا يشمل كافة مكوّنات الشعب الفلسطيني، خصوصًا في ظل غياب فصائل محورية مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والمبادرة الوطنية، اللتين أعلنتا المقاطعة بسبب تفرد حركة فتح بالقرار السياسي.
حماس رأت أن الإقصاء والتفرد في اتخاذ القرار السياسي الفلسطيني هو أحد الأسباب الجوهرية في ضعف الموقف الفلسطيني على الساحة الدولية، وفي تآكل الثقة بين القيادة والشعب.
دعوة للارتقاء لمستوى التضحيات
لم تكتفِ حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بمجرد توجيه النقد للأوضاع الراهنة، بل تجاوزت ذلك إلى طرح رؤية وطنية بديلة تتسم بالطموح والواقعية. هذه الرؤية تستند إلى إيمان عميق بضرورة أن تكون القرارات الوطنية مرآة تعكس حجم التضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب الفلسطيني على مدار عقود من النضال. وتؤكد حماس أن الخطوات المطلوبة يجب أن تكون مسؤولة وشجاعة، قادرة على تحقيق أهداف ملموسة تلبي تطلعات الشعب وتستعيد كرامته.
أول هذه الأهداف هو الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني، الذي يستهدف الأرض والإنسان والهوية. كما تسعى الرؤية إلى استعادة هيبة الموقف الوطني الفلسطيني، الذي تأثر جراء الانقسامات الداخلية وسياسات التسويف. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة إلى تعزيز الوحدة الوطنية وتوحيد الصفوف لمواجهة التحديات. إضافة إلى ذلك، تدعو حماس إلى إعادة الاعتبار لحقوق الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية، من خلال تمثيل قوي وموقف موحد يفرض احترام هذه الحقوق.
وحذرت حماس من مغبة الاستمرار في عقد اجتماعات شكلية تخلو من نتائج ملموسة، مؤكدة أن مثل هذه الممارسات لن تؤدي سوى إلى تعميق الانقسام الداخلي وتآكل الثقة الشعبية. إن دعوة حماس هي صرخة للارتقاء بالعمل الوطني، ليكون على قدر التضحيات ويعيد الأمل لشعب يستحق العزة والكرامة.
المطالب الجوهرية..تحركات سياسية وقانونية
قدمت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” مجموعة من المطالب الجوهرية التي تهدف إلى إعادة صياغة المشهد السياسي الفلسطيني وتعزيز الموقف الوطني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. هذه المطالب ليست مجرد شعارات، بل تشكل رؤية استراتيجية تسعى إلى بناء نموذج قيادي وطني أكثر شمولية ومصداقية، يعكس تطلعات الشعب الفلسطيني ويستجيب لتحديات الواقع.
أول هذه المطالب هو وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي وقطع كافة العلاقات معه. ترى حماس أن الاحتلال ليس شريكًا يمكن التفاوض معه، بل عدو محتل يسعى إلى طمس الهوية الفلسطينية. هذا الموقف يعكس رفضًا قاطعًا لأي شكل من أشكال التطبيع أو التعاون الذي يضعف الموقف الوطني.
ثانيًا، دعت حماس إلى تصعيد المقاومة، خاصة المقاومة الشعبية، كخيار نضالي أصيل. هذا التوجه يهدف إلى مواجهة سياسات التهويد والاستيطان المتصاعدة، من خلال تعبئة طاقات الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة والداخل المحتل، لتشكيل جبهة موحدة ضد الاحتلال.
ثالثًا، شددت الحركة على أهمية تحريك ملفات قانونية ضد الاحتلال في المحاكم الدولية، لتوثيق جرائمه ومحاسبتها. هذا يشمل انتهاكاته في غزة والضفة، مثل القتل العمد والتهجير القسري، بهدف فضح الاحتلال دوليًا وتعزيز العدالة.
أخيرًا، طالبت حماس بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية تضمن المشاركة السياسية الحقيقية لكافة الفصائل، بعيدًا عن الهيمنة أو الإقصاء. هذه الخطوة تهدف إلى استعادة الشرعية الوطنية وتوحيد الصفوف.
إن هذه المطالب تعبر عن رؤية متكاملة لقيادة فلسطينية قادرة على مواجهة التحديات واستعادة الحقوق، من خلال تحركات سياسية وقانونية جريئة تدعم صمود الشعب الفلسطيني ونضاله العادل.
الموقف الدولي والشرعية الوطنية
في ظل تصاعد الوعي العالمي بجرائم الاحتلال الإسرائيلي، التي باتت مكشوفة أمام الرأي العام الدولي، ترى حركة المقاومة الإسلامية “حماس” أن اللحظة الحالية تمثل فرصة ذهبية لاستثمار التعاطف الدولي المتزايد مع القضية الفلسطينية. هذا التعاطف، الذي يتجلى في المظاهرات العالمية والمواقف الداعمة في الأوساط الأكاديمية والشعبية، يمكن أن يُترجم إلى مكاسب سياسية وقانونية ملموسة، شريطة وجود عمل سياسي ممنهج ومحترف. إن بناء استراتيجية دبلوماسية متماسكة، تعتمد على توثيق الانتهاكات ومخاطبة المحافل الدولية بلغة قانونية وعقلانية، يُعد خطوة أساسية لتعزيز مكانة القضية الفلسطينية على الساحة العالمية.
لكن هذا المسار الواعد يصطدم بعقبة جوهرية: غياب الشرعية الوطنية الجامعة. فالقيادة السياسية الفلسطينية، التي تعاني من الانقسام والتشرذم، لا يمكنها أن تمثل الشعب الفلسطيني بفعالية أو أن تستثمر الزخم الدولي بشكل موحد. إن استمرار الوضع الراهن، مع قيادة مشروخة ومؤسسات وطنية تعاني من التهميش، يُضعف القدرة على مواجهة التحديات ويُفقد الشعب ثقته في قيادته. لذلك، تؤكد حماس أن إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية ليست مجرد خيار سياسي، بل ضرورة وطنية ملحة. هذه الهيكلة يجب أن تستند إلى شراكة سياسية حقيقية، تشمل كافة الفصائل والقوى دون إقصاء أو هيمنة، لضمان تمثيل شامل يعكس تنوع الشعب الفلسطيني وتطلعاته.إن تحقيق هذه الشرعية يتطلب قرارات شجاعة لتجاوز الخلافات الداخلية، وتوحيد الصفوف تحت راية المصلحة الوطنية العليا. فقط من خلال قيادة موحدة ومؤسسات شرعية يمكن للفلسطينيين استغلال الفرص الدولية، وتحويل التعاطف العالمي إلى دعم فعلي يعزز نضالهم العادل من أجل الحرية والعودة.
مخاوف من التهويد والتقسيم
تُسلط حركة المقاومة الإسلامية “حماس” الضوء على واحدة من أخطر التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني، وهي محاولات الاحتلال الإسرائيلي الممنهجة لتفتيت الضفة الغربية وتحويلها إلى كنتونات مفككة خالية من أي سيادة حقيقية. هذا المشروع، المدعوم بالتوسع الاستيطاني المتسارع والتهويد المتعمد لمدينة القدس، يهدف إلى طمس الهوية الفلسطينية وتقويض أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية متماسكة. فالاستيطان لا يقتصر على مصادرة الأراضي، بل يشمل فرض واقع ديموغرافي وسياسي يُعزز سيطرة الاحتلال، بينما تُحرم القدس من طابعها التاريخي والديني عبر تغيير معالمها وتهجير سكانها الأصليين.
ترى حماس أن الصمت أو التواطؤ السياسي من بعض القيادات الفلسطينية الرسمية يُعد بمثابة خضوع لإملاءات الاحتلال، مما يُفاقم الأزمة ويُضعف الموقف الوطني. هذا الواقع يستدعي، بحسب الحركة، تصعيدًا شعبيًا وسياسيًا حقيقيًا يُعيد الزخم للنضال الوطني. فالمواجهة لا تقتصر على مقاومة الاحتلال عسكريًا، بل تتطلب حراكًا سياسيًا وشعبيًا يُحشد الطاقات ويُفشل مخططات التقسيم والتهويد.
أزمة القيادة..من يمثل الشعب؟
في خضم هذه التحديات، تطرح حماس سؤالًا جوهريًا يتردد في أوساط الشعب الفلسطيني: من يمثل الشعب الفلسطيني اليوم؟ هل لا تزال منظمة التحرير الفلسطينية، بصورتها الحالية، قادرة على تمثيل الكل الفلسطيني؟ وهل القيادة السياسية الراهنة تستطيع التعبير عن آلام الشعب وتطلعاته نحو الحرية والعودة؟
تؤكد حماس أن الشرعية السياسية لا يمكن أن تُمنح لقيادة منقسمة أو تتخذ قرارات منفردة دون توافق وطني. الشرعية الحقيقية، بحسب رؤية الحركة، تنبع من تمثيل شامل يعكس إرادة الشعب ويضمن مشاركة جماعية لكافة الفصائل والقوى السياسية. إن غياب هذه الشراكة يُعمق أزمة الثقة بين الشعب وقيادته، ويُضعف القدرة على مواجهة الاحتلال واستثمار الفرص الدولية. لذا، تدعو حماس إلى إعادة هيكلة منظمة التحرير على أسس ديمقراطية، تضمن التمثيل العادل وتُعيد للمؤسسة دورها كمرجعية وطنية موحدة.إن هذه الرؤية تُبرز ضرورة تجاوز الانقسامات الداخلية والعمل على بناء قيادة وطنية قادرة على مواجهة التحديات. فالشعب الفلسطيني، الذي يقاوم التهويد والتقسيم بصموده، يستحق قيادة تُجسد وحدته وتُعبر عن نضاله العادل بكل قوة ومصداقية.
ختاماً، في ضوء التحديات الجسيمة التي تواجه القضية الفلسطينية، يبرز موقف حركة المقاومة الإسلامية “حماس” كصوت وطني لا يكتفي بالنقد أو الاحتجاج، بل يقدم رؤية متكاملة لإنقاذ المشروع الوطني الفلسطيني. هذه الرؤية تتجاوز الشعارات إلى خطة عملية تهدف إلى استعادة اللحمة الوطنية، وإعادة بناء موقف سياسي مقاوم يتناسب مع حجم المخاطر المحدقة بالشعب الفلسطيني، من تهويد واستيطان ومحاولات تقسيم الأرض والشعب. إن دعوة حماس لتوحيد الصفوف وإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية وشاملة ليست مجرد مطلب سياسي، بل ضرورة وجودية لضمان استمرار النضال وتحقيق تطلعات الشعب في الحرية والعودة.
الخيار اليوم واضح ولا يحتمل التأجيل، إما أن تتفق القيادة الفلسطينية على مشروع وطني جامع يجمع الفصائل والقوى تحت راية المصلحة العليا، أو أن تستمر دوامة الانقسام والتفرد في اتخاذ القرارات، مما يُنذر بانهيار سياسي شامل للمشروع الوطني. في هذا الوقت العصيب، لا يملك الشعب الفلسطيني رفاهية الفرقة أو التردد، فكل لحظة تمر دون وحدة حقيقية تُعزز من قبضة الاحتلال وتُضعف موقف الفلسطينيين دوليًا ومحليًا. إن المطلوب هو قرار شجاع يُعيد الثقة بين الشعب وقيادته، ويُؤسس لمرحلة جديدة من النضال الموحد، قادرة على مواجهة التحديات واستثمار الفرص لتحقيق العدالة والكرامة. الوحدة الوطنية ليست خيارًا، بل هي السبيل الوحيد لضمان بقاء القضية الفلسطينية حية ومزدهرة. ع666