حرب الذرائع

بقلم _ريما فارس

تواصل إسرائيل استغلال الذرائع الواهية لتبرير عدوانها المتكرر، حيث تقدم نفسها دائمًا كـ “الضحية المدافعة عن أمنها” في محاولة لتغطية الوحشية التي تمارسها ضد المدنيين. تروج لمزاعم مثل “الرد على هجمات” أو “محاربة الإرهاب” كذرائع للتدمير العشوائي للأحياء السكنية، رغم أن هذه التبريرات ليست إلا غطاءً لسياسة العدوان الممنهجة التي تستهدف كل ما هو مدني. في الواقع، إسرائيل لا تحتاج إلى مبررات للعدوان، فهي تواصل نهجًا يعتمد على القوة المفرطة دون أي اعتبار للحقوق الإنسانية أو القوانين الدولية.

القصف الإسرائيلي للمناطق السكنية، التي تمثل في الوقت ذاته بيئة المقاومة، ليس مجرد فعل عسكري، بل هو جزء من استراتيجية تهدف إلى إضعاف الحاضنة الشعبية للمقاومة. هذه المناطق، التي يتواجد فيها أفراد المقاومة، ليست مجرد مناطق سكنية، بل هي بيئة حية تعيش فيها ذاكرة النضال وتترسخ فيها الروح الجماعية لدعم القضية. تسعى إسرائيل من خلال استهداف هذه البيئة إلى تفريغها من سكانها الذين يشكلون دعمًا أساسيًا للمقاومة، لكن هذه السياسات لا تؤدي إلا إلى تقوية عزيمة الشعب على التمسك بقضيته، فكل جريمة ترتكب تزيد من صمود الشعب وتؤجج روح المقاومة التي لا تنكسر. القصف لا ينجح في مسح هذه البيئة أو تفكيكها، بل يعزز ارتباط الشعب بأرضه وبقضيته، مما يجعل هذه البيئة أكثر صلابة وقوة في مواجهة العدوان.

وفي هذا السياق، يبرز قرار مجلس الأمن رقم 1701، الذي أُقرَّ بعد حرب يوليو 2006 بين إسرائيل وحزب الله. القرار نصَّ على ضرورة وقف الأعمال الحربية بين الطرفين، وانسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، وضمان حماية المدنيين. ورغم مرور سنوات على هذا القرار، واصل الكيان الإسرائيلي انتهاك بنوده، متجاهلاً تمامًا التزاماتها بموجب القانون الدولي. لم تلتزم إسرائيل بوقف الهجمات على المدنيين ولم تنسحب من بعض المناطق، بل استمرت في استهداف الأحياء السكنية والمناطق المحاذية للحدود اللبنانية.

هذا التصرف يعكس تجاهلًا صارخًا لقرار مجلس الأمن، ويُظهر استخفافًا بالمجتمع الدولي وقراراته. إسرائيل تتصرف كما لو أنها فوق القانون الدولي، حيث تواصل انتهاك الحقوق الإنسانية وحماية المدنيين، مما يعزز من قناعة الكثيرين بأن إسرائيل لا تعترف بأي من المعايير الأخلاقية أو القانونية. هذا التجاهل المتواصل للقرارات الدولية يُعتبر تحديًا مباشرًا للمجتمع الدولي، الذي يقف عاجزًا عن تطبيق القرارات أو محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها.

رفض تطبيق القرار 1701 يكشف بوضوح عن سياسة إسرائيلية قائمة على العدوان المستمر والسيطرة بالقوة. فما كان يُفترض أن يكون أساسًا لوقف إطلاق النار وحماية المدنيين، أصبح مجرد حبر على ورق طالما استمرت إسرائيل في تنفيذ هجماتها دون رادع. وهذا الفشل في تطبيق القرارات الدولية يطرح تساؤلات عن مصداقية المجتمع الدولي، خاصة في ظل العجز الواضح عن تنفيذ هذه القرارات على أرض الواقع.

إسرائيل، من خلال ممارساتها هذه، تضع المجتمع الدولي في مواجهة حقيقية مع مبادئ العدالة والإنصاف. فالشعوب في المنطقة أصبحت تدرك تمامًا أن حقوقها لن تُمنح، بل تُنتزع من خلال الصمود والمقاومة. إذا كانت إسرائيل تظن أن القوة العسكرية يمكن أن تخضع شعوب المنطقة، فإنها ستكتشف قريبًا أن العدالة، مهما تأخرت، ستنتصر في النهاية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى