“عزيمة اليمن: كيف حوَّل الصبر ساحة الحرب إلى ميدان انتصار؟”

بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
بقلم _ حسين بن محمد المهدي

مما لا ريب فيه أنَّ مَنْ عَدَلَ في حُكْمِهِ، واسْتَشارَ في أَمْرِهِ، وكَفَّ عن ظُلْمِهِ؛ نَصَرَهُ الحقُّ، وأَطاعَهُ الخَلْقُ، وصار أبناءُ دولَتِهِ جُنْداً له.

ولهذا فإنَّ دينَ الإسلام دينُ الحكمةِ والرحمةِ والإحسان، أرشدَ في دستورِ دولَتِهِ، وكتابِ هِدايَتِهِ إلى ذلك، فأمرَ العزيزُ الحكيمُ نبيَّهُ الكريمَ بقوله: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾. والأمرُ لنبيِّ الإسلامِ محمدٍ -عليه وعلى آله الصلاةُ والسلامُ- في القرآنِ المجيدِ يقتضي التزامَ ساسةِ الأمةِ وزعمائِها به؛ لِيُرفْرِفَ على الأمةِ أعلامُ النصرِ والريادةِ، وتَحُلَّ عليهم السعادةُ.

وهذا قائدُ المسيرةِ القرآنيةِ، عَلمُ يَمَنِ الإيمانِ والحكمةِ، زعيمُ أنصارِ اللهِ وحزبِهِ، قد الْتَفَّ الناسُ حولَهُ، وأطاعوا أمرَهُ، وصاروا له جُنْداً، يُغِيضون أعداءَ الإسلامِ: الصهيونيةَ اليهوديةَ اللئامَ، استجابةً لربِّهم، وطاعةً له. يَقِفون خَلْفَ قائدِهم بصبرٍ وثباتٍ وعزيمةٍ واقتدارٍ، بهِمَمٍ عاليةٍ تُعَانِقُ السماءَ، يُضَحُّون بأنفُسِهِمْ وأموالِهِمْ في سبيلِ اللهِ، ونُصْرَةِ الشعبِ الفلسطينيِّ المظلومِ، الذي تواصلُ الصهيونيةُ اليهوديةُ الاعتداءَ عليه ليلَ نهار.

وكأنَّ التاريخَ يُعيدُ نفسَهُ، فقد وَصَفَ اللهُ أسلافَ اليمنيين بما يدلُّ على علوِّ شأنِهِمْ، ورفيعِ مكانتِهِمْ، فقال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾.

فقد ظهر في أَحْفَادِهِم في يَمَنِ الإيمانِ مَن لَزِمَ تلك الخِلالَ الزكيةَ، والخِصالَ المرضيةَ، فأذاقوا الصهيونيةَ اليهوديةَ والأمريكيةَ بَعْضاً من بأسِهِم الشديدِ، ومنهجِهِم السديدِ في نُصْرَةِ المظلومينَ، والدفاعِ عن المؤمنينَ في فلسطينَ: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾.

ورغمَ تَكَالُبِ الدول الداعمة للاحتلال على اليمن وفلسطين جَوّاً وبَرّاً وبَحْراً، فإنَّ شعبَ الإيمانِ والحكمةِ يَحْتَمِلون أذى ترامبَ وأضرابِهِ، الذين أَغْرَقوا أَنْفُسَهُمْ في جرائمِ الاعتداءِ والفسادِ، وأَوْغَلوا في الطغيانِ، وقَتْلِ النساءِ والأطفالِ والشيوخِ ظُلْماً وعدواناً، مُعْتَمِدين على خيلائِهِمْ، وكِبْرِيائِهِمْ، وغطرستِهِمْ، واستعلائِهِمْ، وما يَمْلِكونهُ من أسلحةِ الموتِ والدمارِ. ولن تُوصِلَهُم قوتُهُم العسكريةُ وبوارجُهُم وحاملاتُ طائراتِهِم إلى نصرٍ أبداً، وإنما تَسُوقُهُمْ إلى حَتْفِهِمْ، وتَضَعُهُمْ في مَهاوي الرَّدَى؛ لاعتناقِهِمْ مذهبَ الخاطئينَ في أَمْرِهِمْ.

فممارستُهُمْ لقصفِ المدنيينَ بصواريخِهِمْ وطائراتِهِمْ، وقتلِ الأبرياءَ، من أَقْبَحِ الرذائلِ المُهْلِكَةِ، ولن يَكْسِبَهُمْ ذلك إلا الهلاكَ، وسوءَ السمعةِ.

وشعبُ الإيمانِ والحكمةِ قادرٌ على احتِمالِ مُحْنَتِهِمْ، فالصبرُ من أخلاقِهِمْ أَمْنَعُ، واجبٌ له ثباتُ الجبالِ المنيعةِ. وكأنَّ القرآنَ عَنَاهُمْ كما عَنَى أسلافَهم من الأنصارِ والمهاجرينَ بقولِهِ: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّـهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾.

فبالصبرِ يَرْتَفِعُ البلاءُ، وتَحُلُّ السكينةُ، ويَأْتِي الفَرَجُ. فإنَّ الإنسانَ لا يُدْرِكُ ما يَؤُمُّهُ إلا بالصبرِ.
ولله دَرُّ القائلِ:
> إِنَّهُ لَا بُدَّ يَحْلُو مَا تَجَرَّعْنَاهُ مُرًّا
> وَإِذَا الشِّدَّةُ زَادَتْ وتَنَاهَتْ فَهِيَ بِشْرَى

وصَدَقَ اللهُ العظيمُ حيث يقول: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾.

فالصبرُ جِمَاعُ الأمرِ، ونظامُ الحَزْمِ، ودِعَامَةُ العقلِ، وحيلةُ مَنْ لَا حيلةَ له: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

فالذي يتعيَّنُ على أبناءِ يَمَنِ الإيمانِ والحكمةِ، وأبناءِ الأُمَّــةِ الإسلاميةِ، التوجُّهُ نحوَ هذا العدوِّ الظالمِ، ومُجاهَدَتُهُ بالمالِ والنفسِ وإعدادِ القوةِ ورَصِّ الصفوفِ في عزيمةٍ وثباتٍ وصبرٍ؛ يَتَحَقَّقُ معهُ النصرُ للإسلامِ والمسلمينَ وللبشريةِ جميعاً.

فالظفرُ والنصرُ والفرجُ والعزُّ والفلاحُ يأتي مع الصبرِ، ولذلك فإنَّهُ يجبُ على الجميعِ التَّحَلِّي به. وقد سَجَّلَ يَمَنُ الإيمانِ والحكمةِ مَثَلاً يُحْتَذَى به. وكان اللهُ قد أرادَ لليمنِ العزةَ والمكانةَ الرفيعةَ؛ لأنَّ أبناءَهُ نَصَرُوا شريعةَ اللهِ والمستضعفينَ من عبادِهِ في فلسطينَ، واسْتَعَانُوا باللهِ، وتَحَلَّوْا بالصبرِ، وتحملوا المكارهَ من أجلِ إعلاءِ كلمةِ اللهِ ونُصْرَةِ المظلومينَ. وما أُعْطِيَ أَحَدٌ قطُّ في زمانِنا هذا خيراً من ذلك. فَقَدْ أُوتِيَ شعبُ اليمنِ العزةَ والعزيمةَ والجهادَ بشجاعةٍ منقطعةِ النظيرِ، تُعَبِّرُ عن صِدْقِ إيمانِهِمْ، وكبيرِ إخلاصِهِمْ، وحُسْنِ توجُّهِهِمْ، وكريمِ مقاصدِهِمْ. وإنما الشجاعةُ الصبرُ على مكارهِ الجهادِ، ولهذا يقولُ الحقُّ سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

كما إنَّنا نَدْعُو قادةَ الفكرِ والعلماءَ والأدباءَ ورجالَ الصحافةِ في أمريكا وأوروبا وكُلَّ أَحْرارِ العالمِ في أَصْقاعِ الأرضِ كُلِّها إلى القيامِ بواجبِهِمْ تجاهَ ما يُحْدِثُ في فلسطينَ واليمنِ من ظُلْمٍ وانتهاكٍ لحقوقِ الإنسانِ، وجرائمِ الإبادةِ التي تَسْتَمْرِئُها وتُغَذِّيهَا الإدارةُ الأمريكيةُ على مَرْأَى ومَسْمَعٍ من العالمِ؛ أداءً للواجبِ الإنسانيِّ والأخلاقيِّ، وصيانةً للقيمِ ومبادئِ العدالةِ، ونُصْرَةً للمظلومينَ، فليكن شعارنا جميعا الصبر سيف المنتصرين، والجهاد طريق العزة والفلاح للمؤمنين. ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.

العزةُ للهِ ورَسولِهِ والمؤمنينَ، والهزيمةُ والذلةُ والصغارُ للكفارِ والمنافقينَ، ولا نامَتْ أعينُ الجبناءِ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى