سلسلة مقالات غرب اسيا (اليمن) حلقة ٤٩

الضربات البريطانية على صنعاء.. تحول عسكري أم تصعيد محسوب؟

كنوز ميديا/ متابعة 

❖ بريطانيا تضرب صنعاء بقنابل “بيفواي 4” للمرة الأولى

 

شهدت العاصمة اليمنية صنعاء مؤخرًا تطورًا لافتًا، مع دخول المملكة المتحدة البريطانية رسميًا على خط العمليات العسكرية، عبر تنفيذ غارات جوية استهد&فت مواقع في جنوب المدينة.

القصف، الذي تم باستخدام طائرات “تايفون FGR4” وقنا&بل موجهة من طراز “بيفواي 4″، أثار موجة من التساؤلات حول مغزى هذه المشاركة المباشرة وتداعياتها على مستقبل الصراع في اليمن.

فهل نحن أمام تغيير في قواعد الاشتباك؟ أم أن الضربات البريطانية مجرد حلقة جديدة في مسلسل التدخلات الخارجية؟المؤشرات الميدانية والسياسية قد تفتح الباب لفهم أعمق لهذا التحول.

ويُذكر أن بريطانيا دخلت على خط الضربات الجوية المباشرة على مواقع القوات المسلحة اليمنية للمرة الأولى على الإطلاق منذ بدء إدارة ترامب حملتها العسكرية على اليمن.

❖ غارات جوية بريطانية في عمق صنعاء

أعلنت وزارة الدفاع البريطانية تنفيذ غارات استهد&فت ما وصفته بـ”مواقع تصنيع طائرات مسيّرة” جنوب العاصمة اليمنية.

وقد انطلقت الغارات من قاعدة “أكروتيري” في قبرص، بدعم لوجستي من طائرات التزود بالوقود، ما يعكس مستوى عاليًا من التنسيق والتخطيط.

في المقابل، أشارت مصادر محلية في منطقة قاع القيضي إلى أن الغارات تسببت في دمار واسع طال مصانع ومخازن، بينها منشآت مدنية، مثل أحد مصانع البلاستيك.

وبينما تحدّثت لندن عن “ضربات دقيقة”، كشفت صور الأقمار الصناعية وتقارير إعلامية عن اتساع نطاق الحرائق والتفجيرات في مناطق مدنية خالصة.

❖ رسائل سياسية أم اختبار ميداني؟

يبدو أن دخول بريطانيا المباشر يحمل دلالات استراتيجية تتجاوز طبيعة الموقع المستهدف.

إذ يربط مراقبون التوقيت بمرحلة من الحراك الغربي المكثف لإعادة تموضع القوة في البحر الأحمر، وسط انسداد أفق الحسم العسكري من قِبل ما يُعرف بالتحالف.

كما تزامنت الضربات مع تحرك حاملة الطائرات البريطانية “HMS Prince of Wales” عبر البحر المتوسط نحو المحيط الهندي، ما يوحي بإعادة رسم خطوط الاشتباك من جديد، هذه المرة تحت قيادة “أطلسية” تتخطى الولايات المتحدة.

وتُقرأ الضربات كذلك كرسالة تحذير موجهة إلى صنعاء، في ظل تصاعد الضغوط الغربية على محور المقاومة في ملفات تمتد من البحر الأحمر إلى غزة.

❖ ردود صنعاء.. بين الحذر والردع

لم تمر الضربات البريطانية دون ردّ.

فقد أعلنت صنعاء تنفيذ عمليات بطائرات مسيّرة استهدفت حاملة الطائرات الأمريكية ،إضافة إلى أهداف أخرى في عمق البحر العربي.

تعكس هذه التحركات خيارًا واضحًا بتوسيع نطاق الاشتباك، وإيصال رسالة مفادها أن كل طرف مشارك في الهجوم سيكون عرضة للاستهد&اف، سواء كانت قواعده داخل اليمن أو على بُعد آلاف الكيلومترات.

وفي الوقت ذاته، أبدت صنعاء درجة من ضبط النفس في الرد، ما يشير إلى حسابات دقيقة بعدم الانجرار إلى مواجهة شاملة مع أطراف أوروبية، مع إبقاء خيار التصعيد مفتوحًا.

❖ خيارات صنعاء.. أدوات متعددة وسيناريوهات مفتوحة

▪ استراتيجيات الرد الممكنة

▪ توسيع بنك الأهداف: قد تتجه صنعاء إلى استهداف قواعد انطلاق الطائرات، لا سيما في قبرص.

▪ تعطيل الملاحة: إعادة طرح ورقة إغلاق باب المندب أو استهداف خطوط الشحن في البحر الأحمر.

▪ حرب استنزاف جوية: تكثيف هجمات الطائرات المسيّرة والصوا@ريخ على القواعد والمنشآت العسكرية.

▪ تصعيد إعلامي دولي: تسليط الضوء على الأضرار المدنية الناتجة عن الضربات لزيادة الضغط الأخلاقي على لندن.

❖ سيناريوهات المرحلة القادمة

 

• تصعيد أطلسي أوسع: انضمام دول أوروبية أخرى، مثل فرنسا أو إيطاليا، إلى التحالف الجوي البحري بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا.

• رد يمني مباشر على بريطانيا: تنفيذ عمليات رمزية أو فعلية ضد مصالح بريطانية في البحر الأحمر أو شرق المتوسط، مع رفع مستوى المخاطر الجيوسياسية.

• تجميد ميداني مشروط: تهدئة مؤقتة من الطرفين، غير أن استمرار العدوان على غزة قد يجعل صنعاء ترفض وقف العمليات، إذ سبق أن أعلنت أن “جبهة الإسناد اليمنية” ستظل مفتوحة ما لم يتوقف العدوان.

• تحرك عسكري نحو الحديدة: استخدام الغارات كغطاء سياسي لهجوم بري تشنه قوات طارق صالح أو مجلس القيادة الرئاسي، بدعم أمريكي بريطاني و إماراتي.

إلا أن السعودية، وفق المعطيات الحالية، تتحفظ على أي عملية برية خشية التورط في تبعات غير محسوبة.

➢ في الختام، إن دخول بريطانيا المباشر في الصراع يعكس تحوّلًا نوعيًا في طبيعة التدخل الغربي في اليمن، لكنه لا يضمن تحقيق أي مكاسب استراتيجية فعلية.

صنعاء، التي صمدت أمام سنوات من القصف الأمريكي والسعودي، أظهرت قدرة لافتة على التكيف والمفاجأة والردع بوسائل غير تقليدية.

ورغم التفوق الجوي والتقني للغرب، يبقى العامل الحاسم هو الإرادة اليمنية، والقدرة على تغيير المعادلات من الأرض لا من الجو.

يبقى السؤال مفتوحًا: هل تستوعب لندن دروس واشنطن، أم أن اليمن سيضيف فصلاً جديدًا إلى سجله الطويل في مقاومة الهيمنة الخارجية؟

مركز بدر للدراسات الاستراتيجية

 

٢٠٢٥/٥/١

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى