اليهودية في القرآن: جماعة مغلقة لا أتباع نبي
بقلم _ محمد عقيل بن يحيى
مقدمة
كثيرًا ما يُفترض أن اليهودية في القرآن هي ببساطة ديانة موسى عليه السلام، وأنها تمثّل استمرارًا مباشرًا لرسالته التوحيدية. غير أن التدبّر العميق في النصوص القرآنية يكشف تمايزًا واضحًا بين موسى كنبيٍّ حنيفيٍّ يدعو إلى الله رب العالمين، وبين جماعة “الذين هادوا” الذين كوّنوا لاحقًا منهجًا مغلقًا يحتكر العلاقة مع الله، ويقيم سلطة كهنوتية تضع التأويل البشري فوق الوحي.
أولًا: اليهودية ليست امتدادًا مباشرًا لموسى عليه السلام
قال تعالى في سورة المائدة: ﴿إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور، يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا﴾.هنا يظهر تمييز لافت بين النبيين الذين أسلموا، وبين جماعة “الذين هادوا”، مما يدلّ على أن اليهودية تشكّلت كهوية دينية لاحقة، وليست استمرارًا تلقائيًا لخطّ النبوة الموسوية.
ثانيًا: التفرد بالإله وتحويله إلى “ملك قومي”
من أخطر ملامح الانحراف العقدي في اليهودية كما يعرضه القرآن، ادّعاء احتكار العلاقة مع الله: ﴿نحن أبناء الله وأحباؤه﴾ (المائدة 18).هذا الادّعاء يُخرج التوحيد من شموليته، ويُحوّله إلى علاقة قومية حصرية، تناقض صفة الله كـ”رب العالمين”.
ثالثًا: الكهنوت والتلمود… حين يصبح الحاخام مشرّعًا
في اليهودية لم تَعد التوراة هي المصدر التشريعي الوحيد، بل حلّ مكانها التلمود، وهو مجموعة ضخمة من التفاسير والاجتهادات التي كتبها الأحبار، ثم أُضفيت عليها صفة القداسة، حتى غدت أعلى من النص التوراتي في التطبيق.
التلمود أسّس لسلطة كهنوتية احتكرت الشرح والتحليل والتحريم، وأصبحت المرجعية الأولى للفهم الديني. وهذا ما عابه القرآن في قوله: ﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله﴾.
رابعًا: من رسالة أخلاقية إلى طقوس شكلية
أحد أوجه التحوّل في اليهودية هو تغليب الطقس على المقصد. فقد طغت شعائر السبت، والختان، والطهارة، على جوهر القيم. القرآن يوجّه لهذا خلخلة نقدية مباشرة: ﴿أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم﴾ (البقرة 44).
خامسًا: إبراهيم لم يكن يهوديًا
قال تعالى: ﴿ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين﴾ (آل عمران 67).الحنيفية هنا ليست هوية طائفية، بل منهج تحرّر من الموروث وبحث دائم عن التوحيد، بينما اليهودية تُعرض كتحنّط للموروث وتأطير لله ضمن جماعة.
خاتمة موسعة: من نقد اليهودية إلى نقد الذات
ليس الغرض من هذا المقال التهجّم على طائفة أو دين، بل كشف بنية الانغلاق الديني حين تنشأ في أي أمة. وهنا تأتي المفارقة الكبرى: الأمة التي تدّعي اليوم أنها “أمة الإسلام” تمارس – للأسف – الكثير من الممارسات التي عابها القرآن على اليهودية.1. استبدال الوحي بالفقهاء والسلف، كما جعل اليهود التلمود مرجعهم الأعلى فوق التوراة، جعلت الأمة الإسلامية الفقهاء والمذاهب والسلف هم مصدر التشريع، حتى فُضّلت أقوالهم على القرآن نفسه.2. ادّعاء الحصرية الإلهية:كما قال اليهود “نحن أبناء الله وأحباؤه”، تقول الأمة الإسلامية: “نحن خير أمة”، لا بوصفها مسؤولية قيمية، بل بوصفها امتيازًا إلهيًا موروثًا.3. الطقوس بدل المقاصد:كما غرق اليهود في السبت والختان، غرقت الأمة في أحكام الطهارة وعدد الركعات وأذكار الصباح والمساء، وغابت عنها قيم العدل والرحمة.4. الشعوذة والتقاليد:انتشرت الأساطير باسم “كرامات”، والتمائم، والمرويات التي تُردَّد دون عقل، تمامًا كما فعلت الجماعات التي سبق ذمها.الحنيفية إذًا ليست طقسًا، ولا ميراثًا، بل “منهج تحرّر من الوهم إلى الحق، ومن الكهنوت إلى الوحي، ومن الشكليات إلى جوهر الإنسان”