دور المقاهي في العراق الحديث
بقلم _ جواد ابو رغيف
لعبت المقاهي البغدادية في العراق الحديث دوراً كبيراً في تعويق بناء مسيرة الدولة العراقية الحديثة، وعدم انتاج هوية واضحة لشكلها، ويعود ذلك الى اختلاف الثقافات وتباينها بين مجتمع البغداديين كون بغداد مدينة مستقبلة للوافدين من جميع مدن العراق فكانوا مخرجات لمرجعياتهم البيئية.
المقاهي التي عادة ما يرتادها المترفون مادياً وفكرياً، كانت في بدايات تأسيسها هدفاً فيما بعد، وتحديداً مع بداية الحرب العالمية الثانية لمراكز القرار العالمية لرسم شكل الحكومات المستقبلي ليتماهى مع مصالح الدول العظمى التي تقاسمت العالم بعد نهاية الحرب بين المنتصرين.
وقد كان اخطر منتج وابرزه لمقاهي بغداد هو تأسيس (حزب البعث العربي الاشتراكي) في (مقهى الرشيد الصيفي)، على يد الفتى السوري المسيحي الأرثوذكسي “ميشيل عفلق” خريج ” جامعة السوربون الفرنسية” ، والذي كانت بداية علاقته بالعراقيين عندما أيد ثورة “رشيد عالي الكيلاني” المناهضة لبريطانيا لضرورة فرنسية على خلفية الصراع وتقاسم النفوذ بين بريطانيا وفرنسا.
من هنا بدأت حكايات الصراع في المقاهي البغدادية بين المستغربين العرب الحاصلين على الشهادات الدراسية من الجامعات الأوربية، سيما وأن اوربا كانت مسرحاً للثورات والاتجاهات الفكرية من اليمين واليسار.
ومع اكتشاف مصادر الطاقة في المشرق العربي برزت حاجة المنتصرين في الحرب الى قاعدة متقدمة ( الكيان المؤقت) لضمان السيطرة على حقول النفط بالمنطقة، فبدأت حملات تشويه العرب ورسم لهم صورة شنيعة وقاتمة تفرغهم من كل محتوى انساني، فكانت مقولة رئيس وزراء بريطانيا “تشرشل”، والذي يمثل ابرز شخصية عالمية آنذاك ( أذا مات العرب ماتت الخيانة)، باكورة المخططات، ثم تلتها الدراسات الاوربية التي تصف العرب بأنهم ( متطرفون ومصدر للمتاعب والارهاب والعنف والمولعون بالنساء والشراب والجنس…. دراسة بريطانيا) و(بلا اخلاق شهوانيون مجرمون…. دراسة امريكية) و( انهم معتدون وجامدون لا يتحركون موصوفون بالدونية وعدم الفاعلية والتأخر والبدائية والسلب والنهب والجبن… دراسة فرنسية) المصدر ” محاضرات في الدعاية الدولة”.
وقد كان للبعثات الدراسية التي شملت طلبة عرب دور في ترسيخ فكرة (دونية العرب) في مجتمعاتنا العربية، على خلفية انبهارهم بالتجارب الغربية متناسين خلفياتها التي مرت بانحطاط وتخلف كبير.
الشعب العراقي كان له حصة كبيرة من ( دس الافكار الدونية)، وللأسف على يد البعض الذي عاشوا فكرة الاستغراب والذوبان الفكري بكل ما هو غربي اثناء دراستهم في الغرب وأبرزهم الدكتور “علي الوردي ” الحاصل على شاهدة الماجستير والدكتوراه من ” جامعة تكساس”، فقد كانت قصاصاته التي دونها اثناء جلوسه في مقاهي بغداد أداة لازدراء الشعب العراقي لذاته، بعد تركيزه حصراً للسلبيات وهي حالة تعيشها شعوب الارض بلا استثناء دون مراعات للأطر الاجتماعية للفرد العراقي.
للأسف رغم تغير انماط الحياة لكننا نشهد اجترار للتأريخ، فقد بزغ نجم المقاهي في بغداد ( رضا علوان ـ قهوة وكتاب….الخ)، واصبح يرتادها الكثيرين يتطارحون الافكار، ثم يظهرون في القنوات الاعلامية ويوسمون انفسهم بعناوين ( محلل سياسي) دون اشتراطات ومعايير تلك الصفة، فمتى يتخلص الشعب العراقي من
( لعنة المقاهي)!.