صدام حسين التكريتي كذب في كل شيء وصدق في شيء واحد عن العراق

بقلم _ ضياء ابو معارج الدراجي 

 

لم يعرف العراق في تاريخه الحديث مأساةً أعمق من تلك التي خلّفها صدام حسين. رجل ادّعى البطولة، وتغنّى بالقومية، وتاجر بشعارات الوحدة والمقاومة، لكنه في النهاية لم يترك سوى الدمار، والدم، والدخان. كذب على شعبه في كل خطاب، وفي كل وعد، وفي كل حرب زجّ بهم فيها، لكنه صدق في شيء واحد فقط، وهو حين قال: “سأسلم العراق أرضًا محروقة.” وصدق.

 

لقد سلّمه كما وعد، أرضًا بلا دولة، بلا مؤسسات، بلا اقتصاد، بلا قيم، بلا كرامة. سلّمه مزقًا من الخراب، وأشلاءً من الأمل، ومستنقعًا من الدم. صدام كذب حين ادّعى أنّه قائد مقاومة، بينما هو من فتح بوابات الاحتلال الأميركي عندما هرب كجرذ إلى حفرة لا تصلها الشمس. كذب حين قال إنه سيقاتل حتى الموت، ثم خرج من حفرة بذقن طويلة وثياب رثة دون أن يطلق طلقة واحدة، خان جبنه، وخان منصبه، وخان أتباعه، قبل أن يخون وطنه.

 

صدام كان أول من خان الجنود الذين زجّ بهم في محرقة الحرب مع إيران ، حيث كلّف رجال الأمن والإعدامات من أبناء منطقته باعدام رفاقهم رميا بالرصاص لأنهم انسحبوا من معركة خاسرة، بينما هو نفسه انسحب من العراق كلّه واختبأ في حفرة. أيُّ تناقضٍ أذلّ من هذا؟ رجل يعدم أبناء وطنه إن تراجعوا من خندق حربي، بينما هو يفرّ من الوطن كله ويختبئ تحت الأرض!

 

لقد أنشأ دولة بوليسية تسكنها الخوف، لا العدالة. وحوّل موارد العراق إلى تماثيل وتمجيد شخصي، وترك شعبًا مدجّنًا بالفقر والقمع. كذب حين تحدّث عن الكرامة، وهو الذي فرّ من المعركة، وترك البلاد بلا قيادة، وجعل من وطن الحضارات ركامًا يعلوه الغبار.

 

لم يكن صدام سوى صنم من طينٍ هش، سقط سريعًا تحت أول مطرقة للواقع. لقد كذب حين تحدّث عن السيادة، بينما كان يقمع شعبه ويبطش بكل حرٍ شريف. كذب حين أقسم على الدفاع عن العراق، بينما كان أول الهاربين، تاركًا جيشًا بلا قيادة، وشعبًا بلا أمل.

 

وفي نهاية المشهد، لم يبقَ من صدام سوى صورة ذليلة، بشعره الأشعث، ولحيته المهملة، وثيابه الممزقة، تخلّد فصلاً أسود في تاريخ العراق. رجل كذب في كل شيء… وصدق مرةً واحدة، حين سلّم العراق أرضًا محروقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى