[ رسالة عالية المضامين من السيد الخميني الى ولده السيد أحمد وبواسطته الى كل العاملين ، جديرة جداً بالتأمل ]

بقلم _ حسن عطوان 

وسأنقلها على حلقات :

 

الحلقة الثالثة والأخيرة :

 

[ الإتقاء من مدح المادحين ]

 

بُنيّ :

 

… هنالك أمر هام بالنسبة لنا نحن المتخلّفين عن ” قافلة الأبرار ” ، وأرى أنّه قد يكون ذا أثر في بناء النفس لمَن كان بصدد ذلك .

 

علينا أنْ نُدرك أنّ منشأ ارتياحنا للمدح والثناء ، واستيائنا من الإنتقاد ونشر الشائعات إنّما هو ” حبّ النفس ” الذي يُعدّ من أخطر الشراك التي ينصبها إبليس اللعين .

 

نحن نرغب أنْ يكون الآخرون مادحين لنا ، حتى وإنْ أظهروا أنّ لنا أفعالاً صالحة وحسنات وهمية تفوق بمئات المرّات حقيقة ما نحن عليه .

 

كما أنّنا نرغب أنْ تكون أبواب الانتقاد – ولو بالحق – موصدة دوننا أو أنْ يتحوّل انتقادنا إلى مديح وثناء .

 

ونحن لا يزعجنا الحديث عن معايبنا لأنّه ليس حقّاً ، كما لا يسرّنا المديح والثناء لأنّه حقّ ، بل لأنّ هذا العيب هو ” عيبي أنا ” وهذا المدح لي ” أنا ” .

وهو أمر سائد في أوساطنا وفي كل مكان .

 

وإذا أردت أنْ تتأكّد من صحة هذا الأمر ، فتأمّل بما يُصيبك من الإنزعاج إذا انبرى المدّاحون لمدح أحد الأشخاص على فعلٍ قام به وكنت قد قمت بذات الفعل ، ستنزعج حتى إذا كان ما قام به أفضل ممّا قمت به أنت ، وخصوصاً إذا كان الشخص من أقرانك وزملائك .

 

وأدهى من ذلك عندما ترى أنّهم حوّلوا عيوبه إلى مدائح ، ففي تلك الحال ، تيقّن أنّ للشيطان وللنفس – التي هي أسوأ من الشيطان – يداً في الأمر .

 

بُنيّ :

 

ما أحسن أنْ تُلقّن نفسك وتُقنعها بحقيقة أنّ مدح المدّاحين وإطراء المطرين ناهيك عن أنّه يُهلك الإنسان ويجعله أكثر بعداً عن التهذيب – البعيد عنه هو في الأساس – فإنّ الأثر السيّئ للثناء الجميل في نفوسنا الملوّثة سيكون أيضاً منشأ لجميع أنواع التعاسة بالنسبة لنا ، كما سيُلقي بنا – نحن ضعاف النفوس – بعيداً عن المحضر القدسي للحقّ جل وعلا .

 

ولعلّ الناقدين ومروّجي الشائعات ضدّنا يكونون ذا نفع في علاج معايبنا النفسية ، ولا غرابة في ذلك ، فالأمر شبيه بالعملية الجراحية المؤلمة التي تؤدّي بالنتيجة إلى سلامة المريض .

 

إنّ أولئك المادحين يُبعدوننا بمدائحهم عن جوار الحقّ ، وهم أصدقاء إلّا أنّهم يؤذوننا بصداقتهم .

 

أمّا أولئك الذين يتوهّمون أنّهم يُحاربوننا بالانتقاد والسبّ واختلاق الشائعات ، فإنّهم يساهمون في إصلاحنا رغم أنّهم أعداء لنا – ذلك إذا كنّا أهلاً للصلاح – وهم يحسنون إلينا رغم ظهورهم بمظهر الأعداء .

 

وإذا اقتنعنا أنا وأنت بهذه الحقيقة وإذا أتاح لنا الشيطان والنفس فرصة لرؤية الأمور على حقيقتها فإنّنا سنضطّرب حينها من مدح المادحين وثناء أهل الثناء ، تماماً كاضطّرابنا اليوم من ذمّ الأعداء ومفتعلي الشائعات المغرضين .

 

كما أنّنا سنفرح بالإنتقاد تماماً كما نفرح اليوم بمدائح وإطراء المادحين .

 

وإذا بلغ قلبك شيء ممّا ذكرت فلن تُزعجك بعد ذلك المنغّصات ، ولن يؤلمك اختلاق المختلقين ، وسوف تنال طمأنينة القلب ، فإنّ أكثر الآلام والقلق إنّما هي نتيجة الأنانية ، رحمنا الله تعالى جميعاً بإنقاذنا منها …

 

بُنيّ :

 

استعظم الذنوب مهما كانت صغيرة بنظرك و ” انظر إلى مَن عصيت ” ، فكلّ الذنوب تُصبح بهذا المنظار كبيرة وخطيرة .

 

ولا يُغرّنك أيّ شيء .

 

وإيّاك أنْ تنسى حضور الله تبارك وتعالى على أيّة حال ، فكل شيء منه .

 

 

على أيّ حال لا تنسى حضوره ، ولا تغترّ برحمته ، ولكن أيضاً لا ينبغي أنْ تيأس منها .

 

ولا تغترّ بشفاعة الشافعين عليهم السلام ، لأنّ لكلّ ذلك موازين إلهية نجهلها نحن .

 

وليكن التأمّل في أدعية المعصومين عليهم السلام وتحرّقهم وتفجّعهم خوفاً من الحقّ وعذابه ديدنك في أفكارك وسلوكاتك .

 

واعلم أنّ الأهواء النفسانية وشيطان النفس الأمارة بالسوء تدفعنا نحو الغرور وتردينا بذلك في المهالك .

 

بُنيّ :

 

لا تسعَ للحصول على الدنيا أبداً ، حتى الحلال منها ، فإنّ حبّ الدنيا حتى حلالها رأس جميع الخطايا ، وهي حجاب سميك تجرّ الإنسان مرغماً إلى الحرام منها .

 

فأنت شابٌّ تستطيع بما حباك الله به من القوّة أنْ تمنع أول خطوة نحو الإنحراف ، ولا تدعها تنجرّ إلى خطوات أخرى .

 

فلكلّ خطوةٍ خطوةٌ أخرى تتلوها ، وكلُّ ذنب – مهما صَغُر – يجرّ المرء نحو ذنوب أكبر ، حتى تستحيل الذنوب الكبيرة في نظره ليست شيئاً يذكَر .

 

بل قد يبلغ الأمر بالبعض أنْ يفتخروا بارتكاب بعض الكبائر ، لا بل قد يصل الوضع بالبعض الآخر حدّاً -أحياناً – يجعلهم يرون المنكر معروفاً والمعروف منكراً ، بسبب تكاثف الظلمات والحجب الدنيوية .

 

أسأل الله تعالى جلّ اسمه أنْ يُنير قلبك بجماله الجميل ، ويُزيل الحجب من أمام بصرك ، ويُنجيك من القيود الشيطانية والإنسانية حتى لا تأسف – مثل أبيك – على ماضيك بعد تصرّم الشباب وحلول الشيخوخة .

 

واربط قلبك – بُنيّ – بالحقّ ، حتى لا تستوحش في الطارئات من الصدوف ، وحرّره من الأغيار لتستنقذ نفسك من الوقوع في الشرك الخفي والشرك الأخفى .

 

وبعد هذه الآيات وإلى آخر السورة فإنّها تنطوي على أمور غاية في العذوبة والجمال ، يحول دون التعرّض لها سوء الحال وضيق المجال .

 

اللهم اجعل أحمد [ يقصد : ولده السيد أحمد ] عندك محموداً ، وافطم فاطمة [ يقصد : العلوية فاطمة الطباطبائي ابنة العلوية صفية شقيقة السيد موسى الصدر ، وهي زوجة السيد احمد ] عن الذنوب ، واجعل حسناً [ حفيده ابن السيد احمد ] أحسن ، وبلّغ ياسراً [ حفيده ابن السيد احمد ] يسراً ، وتولّ هذه العائلة المنتسبة إلى أهل بيت العصمة عليهم السلام بلطفك وعناياتك ، واحفظها من شرّ شياطين الباطن والظاهر ، ومُنّ عليهم بالسعادة في الدارين .

 

لا يفوتني – بُنيّ – أنْ أختم وصيّتي هذه بالتأكيد عليك في السعي لخدمة الأرحام لا سيما ” أمّك ” التي لها في أعناقنا جميعاً حقوقاً كثيرة ، واحرص على إرضائهم جميعاً .

 

والحمد لله أولاً وآخراً والصلاة على رسول الله وآله الأطهار واللعن على أعدائهم ” .

 

17 / شوال / 1404 هجري قمري

روح الله الموسوي الخميني .

 

[ انتهت الرسالة ]

 

أرجو ألّا تنسوني بدعائكم .

 

****************

 

*نفحات ملكوتية ، قبس من وصايا الإمام الخميني المعنوية والسلوكية ، رسالة بعنوان : ( بلسم الروح ) ، إعداد مركز نون للتأليف والترجمة ، الناشر : جمعية المعارف الإسلامية الثقافية .

 

*************

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى