الخليج الفارسي: اسمٌ راسخ في التاريخ لا يجوز التلاعب به

بقلم _ مجتبی نیکیان شفتی

يُعدّ الخليج الفارسي من أهمّ المناطق الجيوسياسية والاستراتيجية في العالم، لما له من دور محوري في مجالات الطاقة والتجارة والأمن الدولي. وفي هذا السياق، أفادت بعض وسائل الإعلام الدولية مؤخراً بأن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد يُعلن، خلال زيارته المرتقبة إلى المملكة العربية السعودية، عن تبنّي تسميات بديلة لهذا المسطح المائي مثل “الخليج العربي” أو “خليج السعودية”. مثل هذا الإعلان ــ إن صحّ ــ من شأنه أن يُفاقم التوترات الجيوسياسية بين دول المنطقة ويثير مجدداً جدلاً قديماً حول محاولة طمس هوية تاريخية مثبتة.

 

إن محاولات تغيير الاسم التاريخي للخليج الفارسي لا تستند إلى حقائق علمية أو وثائق تاريخية، بل هي امتداد لصراعات سياسية إقليمية بدأت منذ ستينيات القرن الماضي، هدفت إلى تقليص النفوذ الحضاري والثقافي الإيراني في المنطقة. وقد تصاعدت هذه المحاولات عبر حملات منظمة بدعم من بعض القوى الدولية، متجاهلة بذلك ما أجمعت عليه الوثائق التاريخية، والخرائط الجغرافية، وقرارات الهيئات الدولية، بما في ذلك منظمة الأمم المتحدة، التي استخدمت باستمرار الاسم التاريخي “الخليج الفارسي”.

 

الأخطر من ذلك أن هذا التوجه لا يُعد مسألةً لغوية أو جغرافية بحتة، بل يعكس نهجاً واسع النطاق يسعى إلى فرض إرادات سياسية على الحقائق التاريخية. فتاريخياً، ارتبطت محاولات تغيير أسماء المواقع الجغرافية بحملات استعمارية أو هيمنة سياسية، كما حدث في فلسطين وأميركا اللاتينية، حيث تمّ تهميش الهويات الأصلية لصالح روايات مصطنعة فرضتها قوى خارجية.

 

وفي ضوء ذلك، فإن ما يحدث اليوم بحق اسم الخليج الفارسي ليس حدثاً معزولاً، بل يشكّل حلقة جديدة في سلسلة من محاولات إعادة تشكيل الوعي الجمعي وسلب الشعوب هويتها. ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يقف مكتوف الأيدي أمام هذا النوع من التحريف المتعمّد الذي قد يطال مستقبلاً أسماء وثقافات أخرى حول العالم.

 

إن اسم “الخليج الفارسي” ليس مجرّد تسمية، بل هو جزء لا يتجزأ من التراث الإنساني المشترك، موثق في آلاف المخطوطات والنقوش والخرائط والمراجع الأكاديمية. ومن هنا، فإن احترام هذا الاسم يعني احترام الحقيقة والتاريخ والهوية الثقافية للشعوب.

 

على الدول والمؤسسات الأكاديمية والإعلامية والمنظمات الدولية أن تضطلع بمسؤولياتها في مواجهة محاولات التزوير، والتأكيد على أن الهوية لا تُفرض بقوة السياسة، بل تُصان بالعلم والعدالة والاحترام المتبادل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى