قرار الكابينت بتوسيع العملية العسكرية في غزة: إجهاض للمفاوضات وتمهيد لمخطط التهجير القسري
بقلم: سفيرة الإعلام العربي والباحثة في الشؤون الفلسطينية
د. أحلام محمد أبو السعود
في خضم المشهد السياسي والعسكري المعقد، وفي لحظة حاسمة من مسار الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، يأتي قرار الكابينت الإسرائيلي بتوسيع العملية العسكرية في قطاع غزة ليُضيف مزيدًا من التعقيد والانفجار على الميدان، ويضع المفاوضات الهشة في مهب الريح. فبينما يحاول الوسطاء الدفع نحو تهدئة مؤقتة أو صفقة تبادل، تندفع حكومة الاحتلال نحو التصعيد، مُعززةً نواياها باستدعاء 60 ألف جندي احتياط، في دلالة صريحة على أن “تل أبيب” قررت إدارة ظهرها للدبلوماسية، ومواصلة فرض أجندتها بالحديد والنار.
هذه الخطوة لا تنفصل عن استراتيجية أشمل تهدف إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني، عبر خنق الحياة في قطاع غزة، وتجريد السكان من أبسط مقومات البقاء، بدءًا من الحصار والمجاعة، وصولًا إلى محاولة تفريغ شمال القطاع من أهله تحت مسمى “مناطق آمنة”. إلا أن الحقيقة المرة التي تواجهها المؤسسة الإسرائيلية اليوم هي أن أهل شمال غزة لن يركعوا، ولن يغادروا أرضهم، بل أعلنوا بصلابة أن الموت على تراب الوطن أكرم من حياة النزوح والشتات.
المخطط الصهيوني يراهن على التهجير القسري، لكن غزة تُفشل هذا الرهان بثباتها الشعبي وقوة وعي أبنائها. من بيت حانون إلى جباليا، ومن الشيخ رضوان إلى الشاطئ، يقف السكان في مواجهة الموت بكل إباء، معلنين أن الشمال ليس ساحة للفرار، بل جبهة صمود.
أما على مستوى المفاوضات، فإن توسيع العدوان يشكّل ضربة قاصمة لأي أمل في التوصل إلى اتفاق تبادل أو هدنة. فلا جهة يمكنها أن تفاوض تحت القصف، ولا صفقة تُولد في ظل المجازر. حتى المساعي الأميركية لتهيئة الأرضية السياسية لزيارة الرئيس دونالد ترامب إلى الخليج، عبر إنجاز صفقة إنسانية، باتت تصطدم بحائط التعنت الإسرائيلي واستغلاله للميدان لفرض وقائع تفاوضية لصالحه.
الرهان الآن على ما تبقى من نافذة صغيرة جدًا للمفاوضات، قد تُغلق تمامًا إن لم تُستثمر خلال الأيام القليلة المقبلة. فالاحتلال يريد استنزاف الوقت لفرض حل عسكري شامل يُخرج غزة من المعادلة، بينما الواقع يقول إن استمرار العدوان لن يؤدي إلا إلى إشعال الأرض تحت أقدام المعتدين، وتفجير الغضب الإقليمي والدولي.
إن حكومة الاحتلال، وهي تسعى إلى إحكام قبضتها على غزة من خلال التحكم في المساعدات الإنسانية عبر شركات أميركية، وفرض التهجير تحت غطاء الإغاثة، ترتكب خطأً استراتيجيًا جسيمًا. فغزة ليست مجرد جغرافيا، بل وجدان وهوية، والمقاومة فيها لا تقتصر على البندقية، بل تمتد إلى كل بيت، وكل روح، وكل حجر يرفض الانكسار.
وعليه، فإن قرار الكابينت لا يُمثل مجرد توسعة للعدوان، بل إعلانًا عن نسف مسار السلام واستبداله بمخطط استيطاني عسكري قائم على الإبادة والتهجير. لكن صمود الشعب الفلسطيني، لا سيما في شمال القطاع، يُعيد تشكيل المعادلة. لقد أصبح واضحًا أن أي تسوية لن تمر إلا عبر احترام إرادة هذا الشعب، ووقف العدوان، والاعتراف بحقوقه الوطنية والسياسية والإنسانية.
إن ما تبقى من وقت قبل اشتعال انفجار إنساني شامل في غزة، هو وقت الفرصة الأخيرة، لا لإنقاذ المفاوضات فحسب، بل لمنع انهيار المنطقة برمّتها في أتون حرب لا تبقي ولا تذر.
الباحثة في الشؤون الفلسطينية
د. أحلام محمد أبو السعود
سفيرة الإعلام العربي