حرب الموانىء / 3 الصراع الامريكي الصيني وتاثيره على اقتصاديات العالم
بقلم _ قاسم الغراوي
رئيس مركز انكيدو للدراسات
يتبلور التنافس بين الصين والولايات المتحدة اليوم على محورين رئيسيين: النفوذ الجيوسياسي والهيمنة الاقتصادية. يُعدُّ تأمين الممرّات المائية (بحر الصين الجنوبي، المحيط الهندي، مضيق هرمز)، والموانئ الاستراتيجية، والطرق البرية والسكك الحديدية (برنامج “الحزام والطريق”)، جزءاً لا يتجزأ من صراع الأقطاب، لأنَّ من يسيطر عليها يضمن تدفُّق الطاقة والسلع الخام والمنتجات المصنعة، ويعزّز من قدرته على الضغط الاقتصادي والسياسي.
اولا : دوافع الصراع على الممرّات والموانئ والطرق
1. الأهمية الاستراتيجية للممرّات
• تصرّف أكثر من 80% من التجارة العالمية عبر البحار؛ ومرور 40% من شحنات النفط والغاز عبر مضيق هرمز ورأس الرجاء الصالح.
• الربط البريّ يسرّع وصول البضائع إلى أوروبا وآسيا الوسطى، مخفِّفاً الاعتماد على المسارات البحرية الطويلة.
2. مشروع “الحزام والطريق” الصيني (BRI)
• استثمارٌ ضخم في موانئ بحرية (باكيستان – غوادر، سريلانكا – هامبانتوتا، اليونان – بيرايوس)، وطرق سريعة وسكك حديدية تصل الصين بأوروبا عبر آسيا الوسطى.
• طموح صيني لتأسيس “ممرّات بديلة” تقلل من الاعتماد على الممرّات التقليدية التي تسيطر عليها القوى الغربية.
3. ردُّ الفعل الأمريكي
• اعتبار واشنطن لـBRI “فخّ ديون” سياسي؛ وفرض عقوبات على كيانات صينية مرتبطة بالبنى التحتية في باكستان وإفريقيا.
• تعزيز الشراكات الأمنية (QUAD، AUKUS) وإقامة قواعد بحرية لجروج الأسطولين الخامس والسادس قرب الممرّات الحيوية.
4. التنافس على النفوذ الإقليمي
• دول آسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا أصبحت ساحة للتنافس: الصين تقدم تمويلاً بشروط ميسّرة، والولايات المتحدة وأوروبا تردّ بعروض “الاستثمار المسؤول” وشروط الشفافية.
ثانيا : أشكال التحديات الاقتصادية
1. ارتفاع تكاليف النقل والتأمين
• زيادة أقساط التأمين على الشحنات في البحار المزدحمة أو المتوترة أمنياً.
• تذبذب أسعار ناقلات النفط نتيجة المخاطر عند مضايق الملاحة.
2. قيود وتفتيشات جمركية وعقوبات
• إجراءات أمنية مشدّدة على الموانئ التي تشكّل محوراً للتنافس (غوادر، بيرايوس)، ما يبطئ التفريغ والتحميل.
• حظر نقل تقنية وبضائع حساسة لأغراض عسكرية بين الصين وبعض دول الشرق الأوسط.
3. تقلب سلاسل الإمداد العالمية
• تحول بعض الشركات الكبرى إلى “القرب الجغرافي” (nearshoring)، للحدّ من المخاطر السياسية واللوجستية.
• بناء مخزونات احتياطية (stockpiling) للمواد الخام، ما يزيد كلفة التخزين والتمويل.
4. حرب التعريفات الجمركية
• الإجراءات الانتقامية المتبادلة (2018–2022) أثارت موجة من الرسوم الإضافية على الصلب والإلكترونيات والمحاصيل الزراعية، مع تأثير مباشر على الأسعار الاستهلاكية.
ثالثا : تأثيرات الصراع على اقتصاديات العالم
1. ضغوط تضخُّمية
• ارتفاع تكلفة النقل والعقوبات الجمركية ينعكس على أسعار الوقود والسلع الأساسية، مما يرفع من معدل التضخّم في العديد من الأسواق الناشئة والمتقدمة.
2. إعادة تشكيل خرائط التجارة
• دولٌ مثل الهند وفيتنام والمكسيك تستقطب استثمارات تصنيع جديدة بدلاً من الصين.
• أوروبا تعجّل بإبرام صفقات تجارية مع دول آسيا الوسطى وأمريكا اللاتينية لتنوّع الشركاء.
3. انكماش جزئي في التجارة الدولية
• تقديرات صندوق النقد الدولي تشير إلى تباطؤ نمو حجم التجارة بنسبة 1–2% سنوياً إذا استمرّ التوتر التجاري لأكثر من خمس سنوات.
4. تكاليف أمنية إضافية
• دول الممرّات (اليمن، الصومال، بنغلاديش) تتحمّل أعباء حماية السواحل والمرافئ، غالباً بموارد مالية وتقنية محدودة.
الصراع على الممرّات المائية والبرية والسكك بين الصين والولايات المتحدة ليس مجرّد “حرب تعريفة”؛ بل هو صراعٌ على النفوذ الجيوسياسي وأمن الطاقة وسلاسل الإمداد. ونتائجه تترجم على شكل:
• تضخم عالمي أعلى
• انزياح الاستثمار صوب بدائل جغرافية
• إضعاف مبدأ التخصُّص الدولي
• الضغط على اقتصادات الأسواق الناشئة وفقاً لتكاليف الحماية والأمن الإضافية
بعبارةٍ أخرى، من يدفع الثمن في النهاية هم المستهلكون والشركات الصغيرة والمتوسطة والدول الناشئة الأكثر هشاشة، في حين تكسب القوى الكبرى أدوات ضغطٍ إضافية لتعزيز موقعها الاستراتيجي على خريطة الاقتصاد العالمي.