بغداد تبحث عن شراكات اقتصاديَّة في القمَّة العربيَّة

كنوز ميديا _ بغداد

تتهيّأ العواصم العربية لالتقاط لحظة استثنائية في قمة بغداد، نحو بناء مستقبل اقتصادي مشترك، تتجاوز البروتوكولات.

القمة العربية، التي ستُعقد في السابع عشر من أيار الحالي في بغداد، تُعد، بحسب خبراء المال والاقتصاد، فرصة لتعزيز التكامل العربي واستثمار الثروات والموارد في مواجهة التحديات التنموية المتراكمة.

المستشار المالي لرئيس الوزراء، الدكتور مظهر محمد صالح، أكد في تصريح له، أن القمة تفتح الباب واسعاً أمام تعزيز ثقة المستثمرين، وتوقيع شراكات ستراتيجية، وتحريك عجلة التنمية، في وقت يشهد فيه العراق استقراراً سياسياً واقتصادياً متصاعداً.

وأضاف، أن “توظيف القمة العربية لخدمة اقتصادنا الوطني أمر ممكن في مثل هذا التجمع السياسي الكبير، لما يمتلكه العراق من أبعاد ومقومات مادية وستراتيجية واسعة، خصوصاً إذا ما تم استثمار الحضور العربي والدولي فيها بفعالية لهذا الغرض”.

 

تعزيز الثقة

وأكد صالح، أن القمة قادرة على إحداث نقلة نوعية في تدفق رؤوس الأموال وتحسين البنى التحتية وزيادة صادرات العراق إلى الأسواق العربية، فضلاً عن توسيع نطاق التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف في مجالات التجارة والاستثمار، ضمن بيئة إقليمية متقاربة الفرص والتجارب.

كما لفت إلى أن العراق يمتلك إرثاً حضارياً ودينياً غنياً يمكن تسويقه عربياً كمورد اقتصادي واعد، مشيراً إلى أن القمة ستكون منصة مهمة لعقد لقاءات ثنائية مع دول عربية مؤثرة اقتصادياً – مثل السعودية والإمارات وقطر ومصر – وتوقيع اتفاقيات استثمارية ومذكرات تفاهم تغطي قطاعات حيوية كـالطاقة والزراعة والنقل، انسجاماً مع خريطة الاستثمار الوطنية وخطة التنمية 2024 – 2028.

 

خدمة الاقتصاد الوطني

رأى الخبير المصرفي الدكتور نبيل العبادي، أن عقد القمة العربية في بغداد يمثل فرصة ستراتيجية نادرة للعراق لإعادة تموضعه الاقتصادي في المنطقة، داعياً إلى استثمار هذا الحدث عبر رؤية مصرفية متكاملة تعالج تحديات الاقتصاد الوطني وتدفع باتجاه التكامل المالي العربي.

وقال العبادي في حديثه لـ”الصباح” تابعته “كنوز ميديا”  إن “القمة تأتي في توقيت حرج، وسط تحولات اقتصادية عالمية ومنافسة إقليمية متصاعدة، ما يجعلها منصة حيوية لتعزيز مصالح العراق الاقتصادية، خصوصاً في ظل اعتماده شبه الكامل على النفط وتراجع روابطه التجارية مع المحيط العربي».

 

ثلاثية التمكين

وأوضح أن العراق يمكن أن يحقق مكاسب نوعية إذا تم التركيز على ثلاث ركائز أساسية: التمويل، والتجارة، والاستثمار، مشيراً إلى أن تعزيز التكامل المصرفي يمثل بوابة لتوفير السيولة وترسيخ الاستقرار النقدي.

وأضاف أن تفعيل آليات الدفع بالعملات المحلية (مثل الدينار والريال والدرهم)، بدعم من صندوق النقد العربي، سيسهم في خفض كلف التحويل المالي وزيادة احتياطيات العراق من العملات الأجنبية. وكشف عن أن التعاملات المصرفية للعراق مع الدول العربية لا تتجاوز 15 % من إجمالي التدفقات المالية، وفقاً لبيانات البنك المركزي.

 

صندوق استثماري

واقترح العبادي إنشاء صندوق استثماري عربي–عراقي يمول مشاريع البنية التحتية التي تقدر حاجتها بأكثر من 100 مليار دولار حتى عام 2030، مستوحى من نماذج تنموية ناجحة في الخليج.

كما دعا إلى طرح مبادرة “الممر التجاري العربي”، لربط موانئ البصرة بشبكات النقل البري في السعودية والأردن، ضمن تصور طموح يجعل العراق مركزاً لوجستياً إقليمياً يخفض كلف الشحن ويعزز حركة التجارة.

 

استثمار الصناديق السيادية

وفي ملف الاستثمار، أشار العبادي إلى أن حصة الاستثمارات العربية لا تمثل سوى 10 % من مجمل الاستثمارات الأجنبية في العراق، رغم توجّه الصناديق الخليجية نحو الأسواق ذات العائد المرتفع. واقترح تقديم ضمانات استثمارية عربية مشتركة لجذب هذه الصناديق نحو قطاعات الطاقة المتجددة والصناعة، لا سيما مشروع مدينة الجبيل الصناعية العراقية–السعودية.

كما لفت إلى أهمية إبرام اتفاقيات تجارية تفضيلية مع مصر والأردن والسعودية، لتصدير منتجات عراقية واعدة مثل التمور والكبريت، مع إزالة العوائق الجمركية التي تزيد كلفة التبادل التجاري بنسبة تصل إلى 30 % .

 

* مفترق الطرق

وشدّد العبادي على أن القمة ليست مجرد تظاهرة دبلوماسية، بل مفترق طرق اقتصادي يتطلب تحوّلاً من الخطابات العامة إلى خطط تنفيذية قابلة للقياس، بإشراف مباشر من القطاع المصرفي العربي والعراقي. وختم بالقول: “إذا أدرك صانع القرار العراقي أن مصالحنا الاقتصادية أصبحت أكثر ارتباطاً بالشبكة العربية من أي وقت مضى، فقد تكون هذه القمة بداية حقيقية لاندماج اقتصادي يعيد للعراق دوره الإقليمي المفقود”.

 

التعاون الستراتيجي

من جهته قال أستاذ الاقتصاد في الجامعة المستنصرية د. أحمد هذال، في حديث لـ”الصباح”: إن القمة العربية في بغداد تُعقد في مرحلة حساسة من تاريخ المنطقة، إذ تواجه الدول العربية تحديات اقتصادية وجيوسياسية متفاقمة تتطلب تنسيقاً عالياً وتعاوناً ستراتيجياً لمواجهتها، مبيناً أن من أبرز محاور القمة، المحور الاقتصادي الذي يشكل اليوم حجر الزاوية في تحقيق الأمن القومي الشامل والاستقرار المجتمعي.

وأضاف هذال، أن التأكيد العراقي خلال هذه القمة على أهمية الاستثمارات العربية المتبادلة، يأتي باعتبارها وسيلة فاعلة لتعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول العربية، والخروج من دوامة الاعتماد على الموارد التقليدية، خاصة النفط، الذي لا يزال يمثل 90 % من الإيرادات العامة في العراق، وسط تقلبات عالمية حادة في الأسعار تؤثر سلباً في الاستقرار المالي والناتج المحلي الإجمالي.

بيئة جاذبة

وأوضح أن الاقتصاد العراقي يُعد اليوم بيئة جاذبة وواعدة للاستثمارات الحقيقية، خصوصاً في القطاعات الإنتاجية والصناعات التحويلية والخدمية، وذلك نتيجة توفر الموارد الطبيعية والبشرية، واتساع السوق المحلية، والتزام الدولة بتوفير التسهيلات القانونية واللوجستية للمستثمرين، مشيراً إلى أن الحكومة العراقية تسعى إلى تعويض فجوة الاستيراد عبر تحفيز الاستثمارات المنتجة محلياً، مما يؤدي إلى تقليص النقص في السلع والخدمات، وتنشيط دورة الإنتاج، وتحقيق الأمن الغذائي، وخفض معدلات البطالة، وتنشيط حركة الأسواق المحلية، وتعزيز ارتباط الاقتصاد النقدي بالاقتصاد الحقيقي، بما ينعكس إيجاباً على زيادة الاحتياطيات الأجنبية وتحقيق استقرار اقتصادي طويل الأمد.

ملفات محورية

وبين هذال، أن القمة العربية في بغداد ستتناول ملفات اقتصادية محورية تشمل توحيد أو تخفيض التعرفة الجمركية لتيسير التبادل التجاري، ومواجهة تقلبات أسعار النفط، وتعزيز الاستثمارات العربية المشتركة خصوصاً في الزراعة والطاقة المتجددة لتحقيق الأمن الغذائي، وإطلاق صندوق عربي لدعم الدول المتضررة، والعمل الجماعي لمواجهة تحديات الأمن الغذائي والمائي، بما يسهم في تعزيز التكامل الاقتصادي العربي والتنمية المستدامة.

وشدد على ضرورة استثناء العراق من توحيد التعرفة الجمركية، على اعتبار أن 98‎%‎ من صادراته نفطية ونسبة كبيرة من الطلب المحلي يعتمد على الاستيرادات، مما يفقد جزءا من إيراداته الجمركية التي تعد من أهم أنواع الإيرادات بعد الضرائب، تحقيقاً للاستدامة المالية، إذا ما تمت أتمتة الأنظمة الجمركية بشكل صحيح، بالإضافة إلى كونها أداة مهمة لدعم الصناعات المحلية الناشئة، لذلك فالتركيز يكون أكثر على جذب الشركات الرصينة للدخول في تنمية القطاعات الزراعية، والصناعية،

والتحويلية والطاقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى