كثرة الكروبات… وقلّة الجدوى!

سلسلة كثرة بلا أثر (٩)

بقلم _ الشيخ مجيد العقابي

لا تكاد تمرّ ساعة إلا وتُضاف إلى مجموعة جديدة في “الواتساب”.
مجموعة باسم العائلة، وأخرى للعشيرة، وثالثة باسم سياسي، ورابعة باسم عام ، وخامسة باسم ديني ، وسادسة باسم ثقافي، وسابعة لا تعلم كيف دخلتها أصلاً!
حتى أصبح من الصعب أن تجد لحظة راحة، أو ساعة صفاء، أو وقتًا تسترجع فيه ذاتك بعيدًا عن الإشعارات المتلاحقة.
قد نتفهّم النوايا الطيبة لأغلب مَن يضيفنا، وقد نُحسن الظن بالجامعين والمحاورين والشخصيات المؤثرة في المجتمع ،
لكن الحقيقة التي باتت تضغط على وعينا الجماعي أن كثرة الكروبات باتت لا تعني التواصل، بل تُهدد المعنى نفسه.
الرسائل تتكرر، الأعضاء يتكرّرون، المنشورات تُعاد أكثر من مرة، الصور تُنقل دون تحقّق،
والأدهى من ذلك أن بعض هذه المجموعات تحمل في ظاهرها اسمًا عامًا محايدًا، لكنّها مؤدلجة في باطنها، أو موجّهة بخطاب خفي.
وما يثير القلق أكثر هو الاستهانة العجيبة بمسألة الخصوصية، حيث تُسرق أرقام الناس دون إذنهم، ويُنشئ البعض مجموعات من قوائم أرقام لا تعود إليهم، بل جُمعت من هنا وهناك، دون استئذان ولا احترام،
فإذا بك مضافٌ في مجموعة لم تختر اسمها، ولم توافق على غايتها، ولم تُؤذن في دخولها أصلًا!
إن هذا السلوك – وإن بدا بسيطًا عند البعض – هو انتهاك صريح لأدب التواصل، ولخصوصية الإنسان،
وفيه من التعدي ما لا يُحتمل لو قورن بعالم الواقع:
فكما لا يليق أن يُدخلك أحدٌ بيتًا من دون إذنك،
كذلك لا يجوز أن يُقحمك في فضاءٍ فكري أو اجتماعي أو سياسي دون إرادتك.
وهذا كله ليس مجرّد فوضى اتصالية، بل تشوّه أنثروبولوجي في فهم الاجتماع الرقمي.حيث أصبح الناس يظنون أن وجودهم في أكثر عدد من الكروبات يعني أنهم “فاعلون اجتماعيًا”،
في حين أن الحقيقة هي أن هذا التشتت يُفقدهم التركيز، والتمييز، والجدوى.
الأخطر من ذلك أن بعض الكروبات صارت غرف ترويج خفي لأجندات مذهبية، أو حزبية، أو عشائرية، أو حتى تجارية،
والمتلقي المسكين، المحاصر بالرسائل، لا يملك وقتًا للتحقق، فينقل ما وصل إليه، دون أن يعلم أنه أصبح حلقة في سلسلة من التضليل الناعم.

ولا يعني هذا أن كل الكروبات سواء،
فهناك مجموعات محترمة، مُنضبطة، ذات غاية واضحة، تُدار بأدب ووعي،وبسبب الفوضى في غيرها كثير من الشخصيات المحترمه غيروا أرقامهم وبعضهم ترك الواتس اب اصلا بسبب إدخالهم في حروبات لا تمت لهم بصلة كما اثر على المجموعات المحترمة والمعرفة باصحابها وأهدافها النبيلة.
والمفارقة أن البعض، من فرط الحماسة، يُنشئ كروبًا لكل مناسبة،
ثم يتوقف بعد أسبوع، دون أن يُغلق المجموعة،
فتظل كأنها أطلال رقمية، تعجّ بالإشعارات الفارغة والذكريات المتراكمة،
كأنها مدن رقمية مهجورة، يمرّ بها الجميع… ولا يسكنها أحد.

فنحن لا نرفض التجمع الرقمي،
لكننا نرفض تفريغه من المعنى، وإرهاق العقل بكثرة لا تُثمر، وتواصل لا يُبني،
ونذكّر أن قيمة الكلمة ليست بكثرتها، بل بميزان أثرها.
وكثرة المجموعات لا تعني كثرة المحبة،
ولا غزارة المنشورات تعني حضورًا فكريًا.
كما ان الاجتماع مع شخصيات معروفة لازمه احترام الجو العام ورفع منسوب الوعي في النشر والتبادل المعرفي بعيدا عن الأسلوب المستهلك في النشر وكانه واجب ان تنشر الصباحيات او الفديوهات المنهكه للتخزين والجهاز.
فالإنسان اما يكون معلما او متعلما من لايجد ما يكتبه لا يجب عليه ان ينشر اي شيء او يكون ناقلا دون تحقق هناك من يكتب وعليه ان يتعلم منه لان الحياة لا تساوي بين العالم والمتعلم واذا صار الكاتب وغيره يكتبون فمن القارئ ومن المستهدف في المجتمع.

الشيخ مجيد العقابي
مركز الفكر للحوار والإصلاح
14-05-2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى