كرم من منبع الذل: هبات الخليج لترامب بين الجوع العربي والخنوع السياسي
بقلم: أم هاشم الجنيد
في مشهدٍ لا يليق بمكانة أمة عريقة ولا بتاريخ أرضٍ أنجبت حضارات، عاد الحلاب الأمريكي دونالد ترامب يتجول في الخليج كما لو كان سيد الأرض، يمد يده لا ليصافح، بل ليأخذ، ويتبسم لا حبًا بل استهزاءً، فيستقبل بالورود والهدايا والطائرات الفاخرة وكأنما عاد الفاتح لا الزائر العابر.
حكام الخليج، وفي مقدمتهم من اعتاد الانبطاح عند أقدام البيت الأبيض، يتسابقون إلى مائدة الولاء، يغدقون الأموال والصفقات على رئيسٍ لم يكن يومًا صديقًا حقيقيًا، بل تاجرًا يجيد حلب خزائنهم. كرم لا ينبع من الأصالة، بل من شعورٍ دفينٍ بالنقص والضعف، كرمٌ يبعث على الألم حين يكون ثمرة ذلّ، لا نخوة.
في لحظة يتضور فيها ملايين العرب جوعًا، ويصارع الأطفال في المخيمات البرد والجوع والموت البطيء، نجد من يغدق مئات المليارات في صفقات تُبرم تحت طاولات الذل، لا لحماية الأمة بل لحماية العروش. وفي الوقت الذي تموت فيه غزة جوعًا وتُدفن تحت الركام، يُهدى طاغية الغرب طائرات فارهة وقصورًا طائرة.
أيّ مفارقة هذه؟ أيّ جريمة تُرتكب بحق الشعوب؟ يتصدّقون على الغرب، ويبخلون على أوطانهم، يمنحون الكرامة لأعداء الأمة، ويحجبونها عن شعوبهم التي لم تجد ما تسد به الرمق. يتحدثون عن التنمية، بينما مدارس اليمن تُقصف، ومستشفيات سوريا تُنهب، وأطفال السودان يبيعون أجسادهم لقاء رغيف.
كرمهم هذا لا يُشبه كرم الكرام، بل يُشبه استجداء الخائفين، الذين لا يملكون قرارهم ولا يعرفون معنى السيادة. يقدمونه من أجل صكوك الرضا، لا من أجل الشعب ولا من أجل التاريخ. هم لا يملكون إرادة البناء، بل إرادة البقاء بأي ثمن، ولو كان ذلك الثمن هو كرامة أمة بأكملها.
هل يُعقل أن يقايضوا الولاء لأمريكا بدماء أطفال الأمة؟ هل أصبحت خزائن الشعوب أداة لشراء الحماية من السيد الأبيض؟ أم أن ما تبقى من عزة قد دفنوه في الرمال مع كل وعود التحرر؟ كيف يُهدى العدو طائرة بمئات الملايين، بينما يموت المريض العربي على أبواب المشافي، وتهيم العائلات في الصحارى دون مأوى أو قوت؟
لقد أصبح هذا الكرم الخليجي فاضحًا، لا يليق إلا بعناوين الذل، صارخًا في وجه الضمير العربي. لا هو من نخوة الكرم العربي، ولا هو من باب السياسة الحكيمة. إنه طعن في خاصرة الوعي، وإهانة في وجه كل مقاومٍ حُر.
إن الأمة اليوم لا تحتاج إلى هدايا تُقدم لترامب أو غيره، بل تحتاج إلى مشاريع تحرر حقيقية، إلى كرامة تحفظ ماء وجهها، إلى سياسات تُعيد الحق لأصحابه وتُوجّه الثروات نحو تنمية الإنسان لا عبودية الأجنبي.
كفى استهتارًا بالشعوب، كفى إذلالًا للأمة، فكرم العبيد لا يُثمر مجدًا، ولا يكتب نصرًا، بل يصنع قيودًا جديدة.