الفكرُ الجِهَاديُّ لآلِ الجُنَيْدِ ليسَ وَلِيدَ اللحظةِ:

بقلم _ عدنان عبد الله الجنيد

في مداراتِ التاريخ، وعلى قممِ الجبالِ التي ما انحنتْ إلا لجلالِ الله، انبعثَ الفكرُ الجهاديُّ في أسرةٍ ضاربةٍ في جذورِ الأرضِ والكرامة، أسرةٍ أَخَذَت على عاتقِها الدفاعَ عن الهُويةِ والدينِ والوطنِ منذُ فجرِ التاريخِ الإسلامي في اليمن، إنها أسرةُ آل الجنيد، التي لم تكن يومًا على هامشِ الأحداث، بل كانت في قلبِ المعاركِ ومركزِ القرارِ الجهادي، منذ الجد الأعلى أحمد بن عبد الله الحضرمي المُلقب بـ “شارح البحر”، حتى الأحفاد المقاومين في زمنِ المشروعِ القرآنيِّ بقيادةِ السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله .
جبل حبشي وميلاد الروح الجهادية:
في جبل حبشي، كان أحمد بن عبد الله الحضرمي – المعروف بـ”شارح البحر” – العالمَ الجليلَ والمجاهدَ البصيرَ، يُدرّسُ الفقهَ والتفسيرَ، ويغرسُ في طلابه معاني الصبرِ والثباتِ والرفضِ للطغيانِ والاستكبار. لقّب بـ”شارح البحر” لجلالةِ علمِه، وكان علمُه بمثابة بحرٍ لا ساحل له، وهو الذي جاورَ البحرَ الأحمرَ في نظرٍ وعبرة، فشرحَ نصوصَ العلمِ كما يُشرح البحرُ في مدهِ وجزره، وقد جعلَ من قمم جبل حبشي منارةً علميةً وجهاديةً، وأرسى دعائمَ فكرٍ قرآنيٍّ مبكرٍ سبق زمانه.
جبل صبر وامتداد النور:
ومن جبل حبشي إلى جبل صبر، انتقل ابنه محمد بن عبد الرحمن الحضرمي، ليواصل الرسالة ويؤسس مركزًا علميًّا وجهاديًّا هناك، فكان لصبرٍ دورٌ استراتيجيٌّ مطلٌ على باب المندب، جعله موقعًا حاسمًا في مجريات الصراع ضد المستعمرين.
العالمُ الربّاني ووريثُ النورِ العلمي – الجنيد بن محمد الحضرمي… سليلُ العلمِ والجهاد في جبالِ صبر- محافظة تعز.
في قمّة جبل صبر، وتحديدًا في قرية الصراري المنيفة، وُلد العارف بالله، العالم العامل، الجنيد بن محمد بن عبد الرحمن الحضرمي، أحد أعلام اليمن في القرن الحادي عشر الهجري، والذي اجتمع فيه السلوك الصوفي، والعلم الفقهي، والخطاب الوعظي الجهادي.
سنده العلمي ومشايخه:
لم يكن الجنيد وليد عزلة فكرية، بل تلقّى علومه على أيدي أعلام عصره، فكان من أبرز مشايخه:
العلامة عبد الكريم الحوثي، الذي نهل منه علم العقيدة والفقه الزيدي.
العالم الواعظ صالح بن علي المقرمي، الذي غرس فيه الزهد والورع ومهارات الوعظ والإرشاد.
الفقيه محمد بن القاسم العياني، أحد فقهاء المنطقة الوسطى، الذي أمدّه بمعارف الفقه وأصول الاستنباط.
تلامذته وموروثه العلمي:
لم يكن الشيخ الجنيد مجرد متلقٍّ للعلم، بل صار بعد شيوخه منارًا تهوي إليه أفئدة طلاب العلم. ومن أبرز تلامذته:
القاضي محمد عبد الرزاق الشرجبي، الذي عُرف ببعد النظر الفقهي والحنكة القضائية.
الفقيه أحمد بن قاسم المذيخر، الذي نقل عنه جملة من المسائل في الفقه والمعاملات.
مخطوطاته وآثاره:
ترك الجنيد بن محمد الحضرمي عددًا من المخطوطات، أغلبها في الفقه، والتصوف، والردود على أهل البدع، ويجد نسخة من مخطوطاته في مكتبة الحجرية والجامع الكبير بتعز والجامع الكبير بصنعاء وسف نتطرق لها في بحث أخر.
مدرسته العلمية في الصراري:
أسّس الشيخ الجنيد رباطًا علميًا في قرية الصراري، صار مهوى أفئدة المريدين وطلاب العلم، وكان هذا الرباط يحيي المناسبات الدينية، خاصةً ذكرى عاشوراء ويوم الغدير، في جوٍ من العلم والتربية الروحية.
تأثيره الروحي والفكري:
كان للجنيد تأثير بالغ في الحفاظ على الروح المعنوية للمجاهدين أثناء معاركهم ضد القوات العثمانية عبر مواعظه وكلماته التي كانت تجمع بين الدين والتاريخ والجهاد، استطاع أن يشعل في قلوب الثوار حماسة واعتزازا بقضيتهم، ما أسهم في صمودهم واستمرارهم في المقاومة.
كان يؤكد دائما في خطبه أن مقاومة الاستعمار العثماني ليست فقط جهادًا عسكريًا، بل هي جهاد فكري وروحي، حيث كان يحث الثوار على الحفاظ على وحدة الصف الإسلامي، ويشيد بقيم الجهاد المشروعة، بعيدًا عن الفرقة والخلافات.
ارتباطه مع الثائر علي الشرجبي:
الجنيد كان قريبًا من الثورة، ولم يكن مجرد داعم لها، بل كان يعرف علي الشرجبي شخصيًا، وكانت بينهما علاقة وثيقة تتسم بالاحترام المتبادل.
وقد عبر الشرجبي عن تقديره البالغ لعلم الشيخ الجنيد ووقوفه إلى جانبه في حربه ضد الاحتلال العثماني، مستشهدًا في العديد من المرات بحكمته ورؤيته الثاقبة للأحداث.
أثر دعم الجنيد في نجاح الثورة:
إن الدور الذي لعبه الجنيد بن محمد الحضرمي في ثورة علي الشرجبي كان ذا أهمية كبيرة، حيث أسهم دعمه الفكري والروحي واللوجستي في تعزيز حركة الجهاد ضد المحتلين.
لم تكن ثورة الشرجبي مجرد انتفاضة عسكرية فحسب، بل كانت أيضًا تجسيدا لنهضة فكرية ودينية من خلال دعم علماء وأعيان مثل الشيخ الجنيد، الذين كان لهم دور محوري في إشعال فتيل المقاومة والتأكيد على أهمية الجهاد في سبيل الله.
الشيخ الجنيد بن محمد بن عبد الرحمن الحضرمي كان من العلماء الربانيين الذين تركوا إرثًا علميًا وفكريا، وكان له العديد من المقولات والعبارات التي تمثل فكره ورؤيته للأمور الدينية والسياسية والاجتماعية.
ورغم أن معظم أقواله تتوزع بين المواعظ والفتاوى، فإنها تعكس التزامه العميق بمبادئ الجهاد والدفاع عن الأرض والعقيدة.
لكن نظرًا لقلة المصادر المتوفرة عن مقولاته المباشرة، يمكنني أن أقدم لك بعض الأفكار المستنبطة من سيرته وأسلوبه العلمي، بما يتماشى مع الفكر الجهادي الصوفي الذي كان يعتمده:
“الطريق إلى الله يبدأ بالعلم، ويكتمل بالجهاد كانت هذه العبارة تمثل الفلسفة التي اعتمدها الشيخ الجنيد في تعليم طلابه وأتباعه.
فالعلم هو الطريق، والجهاد هو الطريق المكمل له لتحقيق العدالة والحرية.
القتال في سبيل الله ليس إلا جزءا من معركة أوسع، معركة الفكر والعقيدة
كان الشيخ الجنيد يعتبر أن الجهاد لا يقتصر على القتال المادي، بل هو جزء من معركة فكرية ضد الاستبداد والظلم ويشمل نشر العقيدة الصحيحة وحمايتها.
“لا عزة للمسلمين إلا بالجهاد في سبيل الله، ومن يخذل الأمة في معركة الحق فقد خان الله ورسوله” في هذا القول، كان الجنيد يندد بالخذلان أمام الأعداء ويؤكد على أن الأمة لا يمكن أن تستعيد عزتها وكرامتها إلا من خلال الجهاد المتواصل.
” من لا يقاوم الطغيان بالكلمة واليد لا يستحق أن يكون من أبناء الحق” تتجلى في هذه المقولة روح الجهاد الفكري، حيث كان الجنيد يعتبر أن التغيير يبدأ بالكلمة، وإذا لزم الأمر، يجب أن تتبعها اليد بالسلاح لرد الظلم.
” الإنسان الصالح لا يكتفي بالعبادة، بل يجب أن يكون له دور في خدمة المجتمع والدفاع عن قضايا الأمة” كانت هذه العبارة تلخص فلسفة الشيخ الجنيد في الدعوة
ويؤكد على أن الأمة لا يمكن أن تستعيد عزتها وكرامتها إلا من خلال الجهاد المتواصل.
كان الجنيد يرى أن الجهاد لا ينحصر فقط في الحروب، بل يمتد ليشمل كل جانب من جوانب الحياة اليومية، بدءًا من الحفاظ على الأخلاق الحميدة، إلى الثبات على المبادئ.
ختامًا، يبقى دور الجنيد في ثورة علي الشرجبي واحدا من أبرز الأمثلة على كيف يمكن للمشايخ والعلماء أن يكونوا في طليعة الحركات الوطنية، حيث كانت مساهماته في النضال ضد الاستعمار العثماني علامة فارقة في مسيرة المقاومة اليمنية ضد الهيمنة الأجنبية.
ومن أحفاده:
“صارم الدين إبراهيم بن عبد الرحمن الجنيد… قائدُ الجهاد ومؤسس القرار السياسي في اليمن من جبال صبر إلى معاقل رداع”:
في زخم الأحداث التاريخية التي عصفت باليمن، برز اسمٌ خالدٌ، يُرَسِّخ للثبات والقيادة في وجه التحديات العظمى، صارمُ الدين إبراهيم بن عبد الرحمن الجنيد، ذلك القائد الذي صنع مجده من جبال صبر الشامخة إلى معاقل رداع الصامدة، كان رمزًا للمقاومة، وبانيًا للقرار السياسي، ومؤسسًا للوحدة في زمن تفرقت فيه الجهود، وتبددت فيه الرؤى.
المولد والنشأة:
وُلِد صارمُ الدين الجنيد في بيئة غنية بالعلم والجهاد، حيث كانت أسرة آل الجنيد من الأسر الشهيرة التي حفلت بتاريخ طويل من النضال ضد الغزاة والمحتلين.
قدَّمت هذه الأسرة العديد من العلماء والقادة الذين رفضوا الاستعمار العثماني والبريطاني، وحملوا راية الإسلام والعدالة في كل صراع.
توحيد آل الجنيد وبناء القرار:
عُرف صارم الدين الجنيد بقدرته الفائقة على توحيد أسرة آل الجنيد تحت راية واحدة، في وقت كانت فيه القبائل اليمنية تتعرض للتمزق والانقسام بسبب الغزو العثماني.
فكان صارم الدين هو الرائد الذي جمع شملهم، ووضع حجر الأساس لتوحيد الصفوف والتنسيق بين أبناء الأسرة، ليكونوا قوة واحدة في مواجهة الطغاة وبما في حوزته من أوامر أمامية له ولأولاد عمه.
وكانت قرية الصراري في جبل صبر نقطة انطلاق لتأسيس القرار السياسي لهذه الأسرة.
ففي تلك البقعة الطاهرة، أسّس صارم الدين الجنيد مركزًا للقرار السياسي، حيث بنَى جامعًا مهيبًا لجده “محمد بن عبد الرحمن الحضرمي” ليكون منارة علمية وتعبوية للمجاهدين والوافدين.
وارتبط هذا الجامع في ذاك الزمان بمواقف بطولية، حيث أُعلن من خلاله موقف المجاهدين من الاحتلال العثماني، ودُشِّن فيه إرشادات المواجهة والتعبئة لكل من يمر عبره.
نُوبة الممطار والجامع كمركز تعبوي:
تدفق المجاهدون والمرابطون إلى جامع الصراري، الذي كان بمثابة مركز تعبوي، يتخذون منه نقطة انطلاق لمنازلتهم الاحتلال، وحارسًا للثغور.
كانت نُوبة “الممطار”، التي أنشأها، نظامًا حراسيًا وقائيًا يراقب الوافدين، ويدافع عن أرض اليمن الطاهرة، فقد كان الجامع بمثابة نقطة تجميع للمجاهدين الذين يتحركون ضد الاستعمار العثماني.
القيادة في رداع:
إلا أن دور صارم الدين الجنيد لم يتوقف عند بناء مركز سياسي، بل امتد ليشمل الولاية على معاقل رداع، حيث تولّى قيادة المنطقة بعد أن ترك ذُرَّة قراراه في جبل صبر.
كان حكمه عادلًا، يتسم بالشجاعة والحنكة السياسية، وأصبح صارم الدين الجنيد رمزًا للقوة والعزيمة في رداع، رغم هيمنة العثمانيين على تلك الأرض.
المقاومة ضد الاستكبار العالمي:
لكن التاريخ لا يرحم الطغاة، فقد استمر الاستكبار العالمي في محاربته، كما جرت العادة عبر العصورفكما فجر العثمانيون نُوبة الممطار في الماضي، قام الصهاينة والأمريكيون بتفجير جامع الصراري ليُطفئوا نوره.
ومع ذلك، لم يُطفأ نور المقاومة، بل ازداد توهّجًا في قلوب أبناء اليمن، الذين تابعوا المسيرة الجهادية التي أسسها صارم الدين الجنيد.
الإرث الذي خلفه:
لقد خلّف صارم الدين الجنيد إرثًا عظيمًا في القرار السياسي اليمني، وفي الجهاد ضد الاحتلال، فاليوم، تواصل الأسرة مسيرتها في مناهضة الاحتلال، وصياغة القرار المقاوم، بينما يظل جامع الصراري رمزًا للقرار، ومركزًا للثوار المجاهدين في وجه الاستكبار العالمي.
ومن احفاده:
المجاهد صفي الإسلام الشيخ أحمد عثمان الجنيد: الشجاع الثائر في جبل صبر، فقد كان لصفي الإسلام الشيخ أحمد عثمان الجنيد دورٌ بارز في تاريخ المقاومة.
في قرية الصراري، رفضت هذه الأرض أن تُستَعبَد تحت سيطرة الأتراك، فكان لآل الجنيد دورٌ جهاديٌ كبير.
اشتهر الشيخ أحمد عثمان الجنيد بثورته على الأتراك وقطعهم عن ماء الكوثري، الذي كان أحد مصادر المياة التي تمدهم عبر سواقي خاصة إلى معسكراتهم في تعز
وعندما قام بقطع المياه عنهم، توجهت حملة عسكرية تركية إلى المنطقة، لكنه هزمهم في معركة شهيرة سُميت بـ “النكب”، نسبة إلى نكبة الأتراك فيها، وبذلك أثبت الشيخ أحمد عثمان الجنيد شجاعته في مواجهة الاستعمار التركي الذي طالما حاول السيطرة على اليمن، وله العديد من الأوامر الإمامية في حوزة الاجداد.
ولا تزال الأسرة في حاضرها وماضيها، تردد ذكرى صارم الدين الجنيد، ذلك القائد البطل الذي جعل من الوحدة سبيلًا لصدّ الاستعمار، ومن القرار السياسي سلاحًا في معركة التحرر.
الحجرية – قدس – الحشا – الضالع: موقع استراتيجي وجهاد متواصل
وفي قضاء الحجرية، استقر صفي الدين أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الحضرمي، في منطقة “قدس” ذات الأهمية الاستراتيجية، فكان حاملًا لراية العلم والجهاد، محصّنًا السفوحَ والقِممَ بالفكرِ القرآنيِّ والموقفِ الثابت، وكان منزله ومقامه مزارًا للعلماءِ والمجاهدين.
وإنّ هذا التلاحم بين صفيّ الدين والشرجبي ليس سوى وجه من وجوه الإرث الثوري الذي حمله آل الجنيد جيلًا بعد جيل.
وقد لعب دورًا محوريًّا في الاحتضان والدعم الجهادي لثورة المجاهد على الشرجبي ضد الحكم العثماني، في واحدة من أنصع صفحات التاريخ اليمني المقاوم.
من هو صفيُّ الدين أحمد الحضرمي؟
هو من حفَدةِ العالم الجليل بن محمد الحضرمي، وقد ورث عنه العلم والجهاد معًا. عُرف بتقواه وورعه، وبخطبه الحماسية في المساجد والجبال، وكان صاحب تأثير قوي في منطقة الحَشاء والجبال المحيطة بها جنوب غرب اليمن، حيث كان يمثّل المرجعية الدينية للمجاهدين والثائرين ضد الدولة العثمانية.
دوره في ثورة علي الشرجبي:
عندما انطلقت ثورة علي عبد الكريم الشرجبي في مناطق الحجرية وجبل صبر، كانت في حاجة إلى احتضانٍ شعبيٍّ وعسكريٍّ ودينيّ، وهنا برز دور صفي الدين أحمد الحضرمي في النواحي التالية:
1- الاحتضان الميداني:
فتح الشيخ صفي الدين جبال الحَشاء أمام الثوار، ووفّر لهم الملاذ الآمن بعد ملاحقتهم من قبل القوات العثمانية، وكان له الدور الأبرز في إنشاء قواعد خلفية للثوار.
2- الخطاب التعبوي والتحريضي:
كان صفي الدين من أشد الخطباء الذين شحنوا الناس دينيًا بوجوب مقاومة العثمانيين، واعتبرهم “غزاةً لا يختلفون عن الصليبيين”، ودعا إلى الجهاد كفريضةٍ عينية، وهذا كان له أثر كبير في استنهاض القبائل.
3- الإسناد العسكري واللوجستي
لم يكتف بالدعم المعنوي، بل قام بتسليح الثوار، وتجهيزهم بالذخيرة والغذاء، وشارك بنفسه في بعض المواقع القتالية التي وقعت في تخوم الحشاء.
4- الربط بين الجهاد والعقيدة:
اعتبر أن مقاومة الاحتلال العثماني ليست مجرد حركة قبلية، بل هي معركة عقيدة وامتداد لـ”الثأر من قتلة علماء اليمن وأحرارها”، ورفع شعار:
“من باع دينه للدنيا، خسرهما معًا… ومن باع دنياه لله، ربح الآخرة والكرامة.”
شهادات ودلالات:
يذكر بعض رواة المنطقة أن علي الشرجبي نفسه قال عن صفي الدين:
“لولا الحضرمي، لانطفأت نار الثورة في مهدها… كان للإيمان ظهرٌ، فكان هو.”
كما أُطلق على أحد جبال المنطقة التي انطلقت منها عمليات الثورة اسم جبل الحضرمي نسبةً إلى صفي الدين أحمد.
شاركَ بنفسِه في الإسنادِ العسكري، وجهَّزَ المجاهدينَ بالسلاحِ والزادِ، وجعلَ من جبالِ الحَشاء قاعدةً خلفيةً لانطلاقِ الثورةِ، كما ربطَ الناسَ روحيًّا بالجهادِ، وعدَّهُ امتدادًا لثأرِ علماءِ اليمنِ الذين سقطوا شهداءَ على يدِ المحتلِّ العثمانيِّ.
لقد كانَ صفيُّ الدينِ بحقٍّ ظلَّ الشرجبي، وسندَه، وصوتَ الثورةِ في الجنوب، وحلقةَ الوصلِ بين الفقهِ والجهادِ، بين المنبرِ والمتراسِ، فسلامٌ على روحهِ، وسلامٌ على كلِّ خطاهُ المباركةِ التي عبدت طريقَ الحريةِ لجيلٍ لم يُولد بعد.
وكان لخفيضه رضوان بن أحمد بن عبد الله الجنيد دورٌ مهمٌّ في الحشا أيضًا، إذ واصل بناء الحصون، وسيطر على الطريقِ الرابطِ بين الشمالِ والجنوب، مما جعلهُ عقبةً في وجهِ العثمانيين واليهود، وعُرف بشجاعتهِ وفطنتهِ السياسيةِ التي حافظت على توازنِ القوةِ في تلك المنطقةِ لسنواتٍ.
في الروايات المتناقلة شفويًا في جبل حَجَر وما حوله من محافظة الضالع، يُقال إن رضوان بن أحمد بن عمر الجنيد – أحد أجداد آل الجنيد – هو الذي اشترى الحصون الثلاثة: قلعة المُصنّعة، وقلعة التُويرة، وقلعة عِلمَان، وكان ذلك من يهود كانوا يسكنون في المنطقة أو كانوا يملكون بعض تلك الحصون أو الأراضي المرتبطة بها.
توضيح الرواية كما تُتناقل:
تقول الرواية إن هذه القلاع كانت في حوزة اليهود – إما أنهم بنوها أو استولوا عليها في حقبة من الفوضى أو الانسحاب العثماني.
ثم جاء رضوان الجنيد، أحد وجوه المقاومة والزعامات المحلية، فاشتراها منهم، بمعنى أنه استعادها بطريق البيع لا الغزو أو المصادرة.
وبذلك صارت هذه الحصون بيد آل الجنيد، وكانوا من أوائل من حوّلوها إلى قلاع جهادية استخدمت لاحقًا في مواجهة البريطانيين.
تحليل تاريخي:
في أزمنة الفوضى السياسية، قد يستولي البعض على ممتلكات أو حصون بطرق مختلفة، وهذا يفسر انتقال الملكيات من يدٍ إلى أخرى.
“الشراء من اليهود” قد يكون رمزًا لاستعادة ما كان في يد غير المسلمين، فيُذكر كقصة مشرفة.
من هو رضوان الجنيد؟
هو احفاد صفي الدين أحمد بن محمد الخضرمي، ينتمي إلى فرع آل الجنيد في الحَشاء وجبل حجر وصف بأنه ذو بأس وشجاعة ودهاء سياسي، وعُرف بذكائه في تثبيت النفوذ في مناطق استراتيجية.
وهذه القلع والحصون الذي اشتراها هو ووالده هي:
1- قلعة المُصنّعة:
تقع في جبل حَجَر بمحافظة الضالع تُعدّ من أقدم القلاع، وكانت مركزًا لإدارة شؤون المنطقة في فترات سابقة، وتحصينًا طبيعيًا للثوار ضد الاحتلال البريطاني.
2- قلعة التُويرة:
تقع أيضًا في جبل حجر، وهي من القلاع التي استُخدمت لمراقبة التحركات العسكرية أيام الاحتلال.
لعبت دورًا في تأمين الخطوط الخلفية للثوار، وتربط بين مناطق الضالع والحشاء وجوارها.
2- قلعة عِلمَان:
كذلك إحدى قلاع جبل حجر التاريخية في الضالع تشتهر بموقعها الاستراتيجي، وكانت تُستخدم كبرج مراقبة ومنصة عسكرية زمن الاحتلال.
وفي ختامِ فصولِ المواجهةِ مع الاحتلالِ العثماني، سُطِّر موقفٌ أسطوريٌّ على يدِ الشيخِ الجليلِ محمد بن صلاح الجنيد في الحشا، الذي طلبهُ المندوبُ التركي أحمد بك عزة باشا بعد أن ضاق ذرعًا بتحريضهِ للناسِ ضدَّ الأتراك.
فقرر محمد بن صلاح الجنيد الدخول إلى مقرِّ المندوب، وأخفى خنجرًا صغيرًا في خاصرته، وعند لقائه بالمندوب، باغته بثلاثِ طعناتٍ قاتلة، ومن التايد الإلهي نجى بعجوبه، وها هو المناضل الجليل، محمد بن صلاح الجنيد، الذي واجه الغزاة العثمانيين والبريطانيين بصدرٍ مفعم بالإيمان، ووجدانٍ ممتلئ بالعروبة والكرامة، وكان لسانه كالرصاص، وفكره كالسيل الهادر، يفضح الاستعمار ويناهض كل مشروعٍ استكباريٍّ استعباديّ.
ماوية وشرقي صبر: انتشار الفكر الجهادي في كافة المناطق
كما انتقل عددٌ من الأعلام من آل الجنيد إلى مناطق أخرى، مثل ماوية وشرقي صبر، ومحافظة إب، والحديدة وعدن، حاملين معهم الفكر الجهادي المبارك.
خاتمة: مشروعٌ قرآني يواصل المسيرة
لقد كانت هذه الأجيال الجهادية في آل الجنيد حجر الزاوية في بناء الفكر المقاوم في اليمن، هذا الفكر الذي استمر عبر العصور، ليمتد حتى العصر الحديث.
وعندما احتضنوا المشروع القرآني بقيادة السيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي، كانوا ينطلقون من إرثٍ جهادي عظيم، ورثوه عن أجدادهم الأبطال الذين خاضوا معارك الكرامة في كل شبر من الأرض اليمنية.
ثمّ جاءت المرحلةُ الفاصلة، حيثُ زُلزلتِ الأرضُ بأقدامِ الغزاةِ من جديد، ولكنّ آلَ الجنيدِ لم يكونوا غائبين، بل كانوا في الطليعةِ، يرفعونَ رايةَ “الصرخةِ في وجه المستكبرين”، ويمضونَ خلفَ القائدِ الربانيِّ السيّد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي، فارتقى من سُلالتهم أكثرُ من أربعمئةِ شهيد، من صبرٍ إلى الحشاءِ، ومن الضالعِ إلى إب، ومن رداعَ إلى ماوية، وكلُّ شهيدٍ فيهم يحملُ في دمهِ ميراثَ “شارح البحر” ووصايا جمال الدين، ونَفَسَ عليّ الشرجبي
ولنا موعدٌ معَ الإعلامِ الأوائلِ في مدارجِ الجهادِ
وفي الأخير اذكر شعب الإيمان والحكمة بمقولة قائد الثورة يحفظه الله (الخطر قادم من البحر).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى