ظاهرة منتشرة على الألسن وفي مواقع التواصل الاجتماعي بحاجة إلى حل
بقلم _ د. محمد العبادي
بعض القصص والحكايات التي يتداولها النّاس حقيقية وتستحق النشر والإعجاب، لكن في مقابل ذلك توجد كثير من القصص والحكايات التي تم ترتيب اجزائها وفقاً لقياسات سياسية أو ثقافية. ومما زاد الطين بلّة وجود المواقع الإلكترونية التي تعمل على تكرارها وتكثيرها بسرعة قياسية.
نعم لقد أصبح تداول القصص المنسوجة عبارة عن ظاهرة .
لا نريد أن نلقي باللائمة على الآخرين، وننسى أنفسنا، لكن ربما يقال بأنّ كثير من القصص والحكايات تم حياكة خيوطها في معامل الأجندة المشبوهة أو معامل الخصومات السياسية والفكرية ، ومع ذلك يأخذها الناس على محمل الجد وكانّها حقائق قائمة في حين لو تم التدقيق والنظر فيها ؛ لتجلّت آية النهار مبصرة.
سأنقل إليكم قصة واحدة وصلتني من أحد الفضلاء، وتنتشر على شاكلتها مئات؛ بل آلاف القصص، وتأملوا فيها وسأعلّق عليها بكلمات مقتضبة إليكم نص القصة: 👇
( كنت أبيع الخس في عربانة في منطقة الكرادة قرب البساتين،
وفي عصر أحد الأيام نزل (أبو دعير)) هكذا كان يسمي الزعيم عبد الكريم قاسم، من السيارة وطلب مني رأس خس، أعطيته الخس بعد أن أزلت الأوراق التالفة وغمسته في ((تنكة)) الماء، حينها قال الزعيم:
انته شسمك؟
اجبته: جعفر يا حضرة الزعيم،
ولما أحس بارتباكي قال لي:
بابا لا تخاف، ليش انته مرتبك؟!
أجبته: آني أريد اسميك بألآسم اللي آني أحبه
كال: شنو هالاسم؟!
كتله: أبو دعير
كال: ولا يهمك.
بعدما أزالت أريحية أبو دعير الارتباك والخوف مني كال الزعيم:
((انته تدري كاعد تبيع أمراض وسموم للعراقيين)) !!!
كتله: لا ولله ما ادري شلون؟!
كال: ((لازم يكون عندك ماي نظيف وجاري حتى تغسل بيه الخس قبل لا تبيعه للناس، لأن دتبيع للناس المارة مباشرةً وبدون غسل))..
جاوبته: أبو دعير أني مبسط بالشارع بعربانه منين أجيب ألمي؟؟!!
كال: باجر راح أسويلك حنفية قريبة على المنهول، واحجي ويه البلدية علمود ما يضايقوك ،بس تره أذا أمر واشوفك تبيع خس ما مغسول أزعل منك، واني راح أنطيك كل أسبوع دينار راتب مني، بس اهتم بصحة العراقيين) .
في اليوم التالي انتصبت الحنفية بجانب الرصيف، وأستمر راتبي الاسبوعي من الزعيم ،حتى بعد ان أتحولت لبيع (الركي) في فصل الصيف، وفي بعض الأحيان ينقطع الزعيم عن المرور بي لفترة تطول وتقصر حسب جدول أوقاته المزدحم، وحينما يأتي ينزل من السيارة يضحك ويكول:
((جعفر اشكد تطلبني مال جم أسبوع))؟؟!!
ويمازحني قائلا:
دير بالك أتزيد عليه تره آني حاسبهن!
🙌
((لا تسأل الوطني ما كسب, سلّهُ ماوهب))! انتهى .
لنتأمل قليلاً في ثقافة كاتب هذه القصة هل هو حقاً بائع ( خس أو بائع رگي، وصاحب عربانه بالشارع)؟! إذا کان ( البائع صاحب العربانه) یستطیع أن یکتب قصته مع( الزعیم) بهذا الترتیب ( والتسفیط)؛ فمعنی ذلك ان مثقفینا عبارة عن عباقرة؟!
ثم ماهو اسم صاحب هذه القصة ؟! وهل هذا الحل الحاتمي الذي قدّمه ( الزعیم) هو حل صحیح ( ینصب ویسوي حنفیه علی الشارع ویأمر البلدیه و..و..)؟! .
وتأملوا في ذيل هذه القصة وما يرمي إليه أصحابها.
من المؤکد ان صناعة هذه القصص ورائها أهداف، ومن المؤکد أيضاً أن معاول الهدم تستهدف الحاضر بتمجيد الماضي.
نقولها لله وللتاريخ؛ فإنّ الأمم لاتبنى بالقصص المجعولة ولا بتمجيد القادة لموقف فردي وجزئي، ولا بالتغني بقصص الحروب، ولا بالشعارات البراقة؛ بل تبنى بالبرامج والخطط المدروسة، والقادة الأكفاء المخلصين.
لله وللتاريخ توجد تخمة من وضع القصص والانشائيات الفارغة، في حين نحن بحاجة إلى نشر الحقائق التي تعمل على إعادة تشكيل الوعي وتوجيه الناس نحو العمل والبناء الصحيح.