قمة بغداد ..اقتصاد وتنمية السيناريوهات المحتملة
بقلم _قاسم الغراوي
رئيس مركز انكيدو للدراسات
في 17 مايو 2025 تستضيف بغداد القمة العربية التنموية والاقتصادية الخامسة (مصاحبة للقمة العربية الـ34 على مستوى القادة)، وهي أول قمة للجامعة العربية تُعقد في العراق منذ أكثر من عقد . أهم ما يمكن توقعه من القمة، مع السيناريوهات المحتملة، ودور بغداد ومبادرة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وأثر زيارة الرئيس ترامب إلى دول الخليج على انعكاسات القمة:
1 – التوقعات العامة وأجندة القمة
⁃ تركيز على الإصلاح الاقتصادي والتنمية .
يُتوقع صدور إعلان عن “ميثاق الإصلاح الاقتصادي العربي للعقد المقبل” الذي سبق أن أقرّه وزراء الاقتصاد، ويهدف إلى تعزيز التكامل الهيكلي وتقليص الفوارق التنموية بين الدول العربية .
⁃ قضايا الأمن الغذائي والطاقة
من الملفات التي أقرّتها جلسات مجلس الشؤون الاقتصادية والاجتماعية تحكيم مبادرة العراق لتحقيق الأمن الغذائي العربي، كخطوة أولى نحو مواجهة تداعيات التغير المناخي والاضطرابات بسلاسل الإمداد .
⁃ مراجعة الأزمات السياسية والأمنية
يُرتقب أن تتناول القمة الأوضاع في فلسطين واليمن وليبيا، إضافةً إلى التطورات في لبنان وسوريا، في إطار دعوات لتفعيل دور عربي جامع يواكب “خريطة الطريق” العراقية للتنمية.
2- السيناريوهات المحتملة :
اولا : السيناريو الإيجابي (أفضل الحالات)
⁃ اعتماد مبادرات ملموسة مثل “خارطة الطريق” العراقية للتنمية، وتشكيل مجلس وزراء تجارة عربي جديد، وتخصيص صندوق تمويل مشترك لدعم مشاريع البنية التحتية الصغيرة والمتوسطة.
⁃ توافق عربي واسع على مبادرة الأمن الغذائي وتيسير تبادل الطاقة الكهربائية عبر شبكات عابرة للحدود.
⁃ ثانيا ؛ السيناريو المتوسط (رمزي مع بعض الإنجازات)
⁃ إصدار بيان ختامي يدعو لتعزيز التعاون، مع تأجيل حسم بعض الملفات العالقة (مثل الأزمة الليبية أو اليمنية) إلى اجتماعات لاحقة.
⁃ التدشين الرسمي لعدد محدود من المشاريع الريادية، مع تأجيل الجوانب التمويلية إلى الاجتماع القادم.
⁃ ثالثا : السيناريو السلبي (التشتت والظلال الخارجية)
⁃ تشتت الانتباه بسبب خلافات ثنائية (مثلاً النزاع البحري بين الكويت والعراق) أو خلافات حول دعوة شخصيات سياسية مثيرة للجدل (كدعوة رئيس سوريا أحمد الشّعرا التي أُثارت خلافاً سياسياً داخلياً) .
⁃ سيطرة أحياناً للنقاش حول التوازنات الإقليمية أكثر من التركيز على التنمية، مما يجعل القمة رمزية أكثر من كونها منتجاً نتائج عملية.
ثانيا : دور بغداد ومبادرة السيد السوداني
⁃ استعادة دور العراق القيادي
بصفته الرئيس للدورة الحالية لمجلس الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، ستحاول بغداد استغلال القمة لإظهار قدرتها على قيادة العمل العربي المشترك، والتأكيد على موقعها كجسر بين دول الخليج وبلدان “المحور المقاوم” في الشرق الأوسط .
⁃ المبادرات المزمع طرحها
1- مبادرة الأمن الغذائي العربي لتأمين الاحتياجات الأساسية عبر مخزون عربي مشترك.
2-مشروع “خارطة الطريق للتنمية” الذي رُوّج له بوصفه قاعدة لإقامة شراكات حقيقية بين الدول العربية في مجالات الطاقة والمياه والتكنولوجيا الزراعية .
3- مبادرة للحل الشامل تتضمن مقترحات للتسوية السياسية في فلسطين واليمن والسودان ولبنان وسوريا وليبيا، عبر إطلاق “منتدى للوساطة العربية” يضم خبراء من الدول الأعضاء تحت رعاية عراقية.
– ضمانات وأدوات تنفيذ
سيطالب السوداني بإنشاء( صندوق دعم مالي ) وآلية متابعة دورية (فصلية) وتقارير شفافة حول تنفيذ القرارات، مع إشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني في الرقابة على المشروعات الإنمائية.
ثالثا : تأثير زيارة ترامب إلى السعودية وقطر والإمارات
⁃ تعزيز الشراكات الثنائية على حساب التعددية العربية
من المرجح أن تكون نتائج الجولة الخليجية للرئيس ترامب (13–15 مايو 2025) مليئة بالاتفاقيات الكبرى – منها صفقة طائرات بقيمة مئات المليارات مع قطر واستثمارات في القواعد الجوية الأميركية – مما قد يخفّض من سقف طموح القمة العربية إذا شعر بعض القادة بأنهم سيحققون مكاسب أكبر على المستوى الثنائي.
⁃ فرصة عراقية لموازنة التأثير
يمكن للعراق، بوصفه المضيف، أن يستثمر قيادته للقمة العربية في :
⁃ إعادة رسم أولويات القمة
باعتماد بغداد مواقف أكثر استقلالية، قد تتجه القمة إلى إصدار مواقف واضحة تجاه رفع العقوبات الأميركية عن سوريا (بعد إعلان ترامب نيّته إنهاء العقوبات) ، ومطالبة بضمانات أمنية واستثمارية عربية مشتركة بعيداً عن التأثير الأميركي المباشر.
القمة العربية في بغداد ستقف حاسمة بين طموح استعادة العراق لدوره المحوري، وضغوط الانقسامات الإقليمية والضغوط الخارجية، ولا سيما جولة دونالد ترامب الخليجية. نجاح القمة سيتطلب من السيد السوداني تقديم مبادرات قابلة للتطبيق، وتأمين آليات متابعة فعّالة، وتوحيد الرؤى بعيداً عن الخلافات الثانوية.
تظل بغداد أمام فرصة ذهبية لإعادة تعريف العمل العربي المشترك في مسار تنموي، وإذا نجحت في تجسيد مبادراتها، فقد تشهد المنطقة مرحلة جديدة من التعاون بعيداً عن الوصاية والتنافس الثنائي.