أمتحان قمة بغداد
بقلم_ طه حسن الأركوازي
خبير في الشأن السياسي والأمني
أنطلقت اليوم السبت 17 أيار/مايو ، أعمال القمة العربية الرابعة والثلاثين في العاصمة العراقية بغداد وسط أجواء إقليمية مشتعلة وصراعات ممتدة من غزة إلى السودان، مروراً بلبنان واليمن ، ورغم أهمية القمة من حيث التوقيت والسياق ، فإن الأضواء المسلطة عليها تكشف ما هو أبعد من جدول الأعمال ، لتصل إلى عمق الرهانات السياسية التي تخوضها الحكومة العراقية مقابل “حضور عربي شكلي” لا يتجاوز حدود البروتوكولات .
وصفت وزارة الخارجية العراقية المشاركة في القمة بأنها “نوعية ومكثفة”، مؤكدة أن قراراتها ستكون “أستثنائية” ، لكن الواقع حتى الآن لا يعكس هذا التفاؤل ، فالمؤشرات تشير إلى تفاوت كبير في مستوى الحضور ، وتردد من بعض القادة العرب الذين لا يخفون أشتراطاتهم للمجيء إلى بغداد ، بل وأستنكاف بعضهم عن المبيت فيها ، وهذا السلوك المهين لا يمكن قراءته إلا كجزء من تراجع الدور المحوري للعراق ، الذي يُفترض أن يُفرض لا أن يُستجدى .
ورغم أن الموقع الجيوسياسي للعراق كفيل بمنحه مكانة قيادية في الإقليم إلا أن أسلوب تعاطي الدولة مع القمة يثير تساؤلات مشروعة ، إذ سارعت الحكومة إلى تقديم تنازلات من أجل أسترضاء بعض الزعماء ، الذين يأتون بطائراتهم الخاصة ويغادرون بعد ساعات ، وكأن بغداد تُهيأ فقط لاستقبال ضيوف من طبقة عليا لا لتمثل عمقها العربي بل لتؤدي دور “المضيف التجميلي” الذي يُجمّل واجهة لا يُراد لها أن تُفتح على الداخل العراقي .
القمم العربية تاريخياً ما زالت تثير علامات أستفهام حول جديّتها في تحويل الشعارات إلى قرارات فاعلة ، وغزة – الجرح العربي المفتوح – لا تزال شاهدة على عجز جماعي مستمر ، فهل ستخرج قمة بغداد عن هذا السياق .؟
وهل ستقترن الكلمات هذه المرة بإرادة سياسية حقيقية تعيد للجامعة العربية شيئاً من معناها .؟
تبقى الإجابات مرهونة بقدرة الدول على التحرر من حساباتها الضيقة ، وبما تملكه من إرادة لدعم المواقف الحرة أمام الانهيار المستمر في المشهد الإقليمي .
أما في الداخل العراقي ، فالقمة لا تعني الكثير للمواطن الذي يرزح تحت وطأة الفقر والبطالة وسوء الخدمات ، فما جدوى تجميل بغداد لأيام ، إن كانت ستعود إلى حالها بعد رحيل الضيوف .؟
وهل سيبقى الحضور الدولي هو ما يُملي على الدولة التزاماتها أتجاه عاصمتها وسكّانها ، ورغم محاولات البعض وضع العراقيل أمام انعقاد القمة في بغداد ، فإن الجهود التي بذلتها الحكومة وعلى رأسها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تستحق الإشادة ، فبالعزيمة والإصرار والإدارة الهادئة ، نجح العراق في تنظيم القمة على أرضه رغم كل التحديات والممانعات ، ليؤكد أن بغداد ، عاصمة الخير والكرم، لا تنتظر الإذن من أحد لتنهض بدورها التاريخي .
أما من غاب ، فلن يُغيّر غيابه شيئاً في المعادلة ، ولا يُنقص من قيمة العراق أو رمزية القمة ، وكما يُقال :
“ما زاد حَنّون في المسيح حبّة ، ولا أنقص حَنون من الإسلام خردلة” .؟
فالعراق لا يُقاس بحضورٍ طارئ أو غيابٍ محسوب، بل بمكانته التي لا تحدّها مواكب ، ولا يختزلها بروتوكول …!