“مركبات جدعون: بين توسيع العدوان الإسرائيلي، وزيارة ترامب – العصا السحرية أم الغطاء السياسي؟”
بقلم_ د. أحلام أبو السعود
سفيرة الإعلام العربي والباحثة في الشؤون الفلسطينية
في ظل احتدام الأحداث على أرض غزة، ومع تسارع وتيرة التصريحات والتحركات العسكرية الإسرائيلية، برز إلى الواجهة ما أطلقت عليه إسرائيل اسم “عملية مركبات جدعون”، وهي عنوان لمرحلة جديدة من العدوان، تستهدف بحسب التصريحات الرسمية “زيادة الضغط على حماس”، لكن واقع الميدان يشير إلى ما هو أبعد وأخطر بكثير.
المؤشرات القادمة من الميدان تنذر بتحول استراتيجي، لا يقتصر على قصف موضعي أو اجتياح محدود، بل يمتد إلى مشروع تفريغ سكاني ممنهج، يبدأ بدفع السكان نحو الجنوب وتحديدًا إلى محافظة رفح، وينتهي – وفق المخططات المسربة – بمحاولة تهجيرهم نحو الحدود المصرية، وسط صمت دولي وغطاء إقليمي لا يمكن إنكاره.
تصريحات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين على القناة 12 العبرية تكشف عن تنسيق عسكري متصاعد: مزيد من الوحدات، مزيد من القوات، وتصعيد تدريجي بقوة شديدة. وكأن إسرائيل تستعد لحسم عسكري تام على الأرض، مع ما يرافق ذلك من تداعيات إنسانية وكارثية على المدنيين.
وفي خضم هذه التطورات، جاءت زيارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى المنطقة، لتحمل معها سيلًا من التساؤلات وعلامات الاستفهام. فبينما روّج البعض أن ترامب قد يحمل “العصا السحرية” للجم إسرائيل ووقف نزيف الدم، كشفت الوقائع عن وجه آخر للزيارة: دعم مطلق لإسرائيل، وإعطاء “الضوء الأخضر من الخليج”، كما أوردت هيئة البث الإسرائيلية، للمضي قدمًا في العملية.
هنا تبرز الحقيقة المُرّة: زيارة ترامب لم تكن لوقف الحرب، بل لتأمين غطاء سياسي وشعبي إقليمي للمرحلة المقبلة من التصعيد. وربما، كما يرى مراقبون، كانت فرصة لنهب المزيد من الثروات العربية، وابتزاز الأنظمة تحت عنوان “التهدئة أو الفوضى”، مقابل صفقات تسليح وتطبيع ومصالح اقتصادية خفية.
الإعلام الإسرائيلي، عبر شخصيات مقربة من رئيس الوزراء نتنياهو، أعلن صراحة أن ما يحدث في غزة الآن هو “قصف تمهيدي”، استعدادًا لاجتياح بري شامل، في ظل تعثر مفاوضات الدوحة. والرسالة واضحة: التفاوض إن فشل، فإن الاجتياح سيكون هو الخيار البديل.
إن ما نعيشه اليوم هو لحظة مفصلية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وفي مسار القضية الفلسطينية.
“مركبات جدعون” ليست مجرد عملية عسكرية، بل مشروع استئصال وتهجير ديموغرافي مدعوم بتحالفات إقليمية ودولية. أما الشعوب، فقد أصبحت المتراس الأخير؛ هي وحدها من تملك القدرة على كسر معادلة الصمت والخذلان، وقلب الطاولة على مشاريع التصفية.
وفي الختام، لا بد أن نتذكر:
فلسطين لا تُحرر بالصفقات، ولا بالدبلوماسية الانتقائية، بل بوحدة الصف والمقاومة، والصمود، والوعي الجمعي الحرّ.