مؤتمر حقوق الإنسان في المنهج الشرقي: العودة إلى إنسانية الجذور
بقلم _ ريما فارس
في زمن تتداخل فيه المفاهيم وتتقلص فيه معاني القيم، برز “مؤتمر حقوق الإنسان في المنهج الشرقي” كمنصة فكرية وثقافية تُعيد الاعتبار للإنسان من خلال رؤية تنبع من عمق حضاراتنا الشرقية، بعيدًا عن النظرات الغربية التي غالبًا ما اختزلت الكرامة الإنسانية إلى مجرد حقوق قانونية، متجاهلةً بُعدها الروحي والأخلاقي.
لطالما اعتدنا على قراءة حقوق الإنسان من منظور غربي موحد، يفرض نفسه كمرجعية مطلقة، متجاهلًا بذلك الثروة الحضارية التي تزخر بها منطقتنا، من بلاد فارس، والرافدين، والشام، حتى الهند. ففي هذه الحضارات كانت القيم الإنسانية متأصلة في الفلسفة، والأدب، والدين، بل وحتى في تفاصيل الحياة اليومية. ومن هذا المنطلق، قدم المؤتمر منظومة حقوق لا تُفهم كقوائم جامدة، بل كنظام متكامل يعكس رؤيتنا للإنسان باعتباره كائنًا روحيًا واجتماعيًا، لا مجرد كيان قانوني منفصل.
الإنسان في المنهج الشرقي هو جزء من شبكة علاقات متداخلة، حيث لا تُفهم حقوقه منفصلة عن واجباته، ولا يمكن فصْل كرامته عن محيطه الاجتماعي والثقافي. من هنا، تناول المؤتمر أبعادًا متنوعة، شملت العدالة الاجتماعية في المجتمعات التقليدية، وفلسفة الرحمة في التشريعات، ومكانة المرأة، إلى جانب حق الشعوب المقهورة في تقرير مصيرها.
لم يكتف المؤتمر بالنظرية المجردة، بل قدم مقاربات تطبيقية تُبرز كيف يمكن للعالم المعاصر أن يستفيد من هذا المنهج المتوازن، الذي يدمج بين العقل والقلب، القانون والأخلاق، الحقوق الفردية والمصلحة الجماعية. ركزت الجلسات على قضايا جوهرية مثل كرامة الإنسان في مواجهة الفقر والاحتلال، حرية الضمير، دور المرأة، وحق الشعوب في السيادة والعدالة، حيث عُرضت هذه الحقوق انطلاقًا من جذورها ومبادئها الأصيلة، لا كأفكار سطحية.
كان هذا المؤتمر أكثر من مجرد حدث فكري، إذ شكّل دعوة صادقة لإعادة تعريف “الإنسان” برؤية شرقية ترفض الهيمنة وتحتضن الإنسان بكل أوجه ضعفه وقوته، ألمه وأمله. إنه نداء للاستماع إلى حضارة عميقة لم تمت، بل تنتظر أن تُفهم وتُحترم في عالم اليوم.
وفي هذا السياق، نخص بالشكر والتقدير الجمهورية الإسلامية الإيرانية على استضافتها لهذا المؤتمر، وتوفيرها فضاءً فكريًا حرًا، يعكس حضارة تمتلك عمقًا يخولها أن تعيد تشكيل المفاهيم الحقوقية على أسس راسخة من العدل، الكرامة، والوعي الإنساني الحقيقي.