وَحْدَةُ اليَمَنِ دِرْعُ الأُمَّةِ وَعِزُّ الإِسْلَامِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
بقلم _حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ المَهْدِيِّ
٢٢ مَايُو ٢٠٢٥م
إِنَّ الوَحْدَةَ اليَمَنِيَّةَ لَيْسَتْ مَجَرَّدَ شِعَارٍ سِيَاسِيٍّ، بَلْ هِيَ عِزٌّ لِلإِسْلَامِ وَشَرَفٌ لِلْمُسْلِمِينَ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾. وَقَدْ شبه النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ بِالجَسَدِ الوَاحِدِ: فقال: «تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى.
إِنَّ الفُرْقَةَ آفَةٌ تُضْعِفُ الأُمَّةَ، أَمَّا الشُّورَى فَهِيَ سَبِيلُ النَّصْرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾. فَبِهَا تُبْنَى الدُّوَلُ، وَتُحَلُّ الأَزَمَاتُ، وَتُحَقَّقُ العِزَّةُ. فَلْيَتَّحِدْ أَبْنَاءُ اليَمَنِ تَحْتَ رَايَةِ القُرْآنِ، وَلْيَكُونُوا كَالجَسَدِ الوَاحِدِ أَمَامَ عُدْوَانِ المُسْتَكْبِرِينَ.
فَمِمَّا لَا رَيْبَ فِيهِ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يَرْيد مِنَ المُسْلِمِينَ أَنْ يَكُونُوا إِخْوَةً مُتَحَابِّينَ مُتَعَاوِنِينَ مُتَنَاصِرِينَ مُتَّحِدِينَ**، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾.
فَالْأُمَّةُ الإِسْلَامِيَّةُ تَسْتَفِيدُ مِنَ الوَحْدَةِ وَالاتِّحَادِ، وَلَا تَسْتَفِيدُ مِنَ التَّشَرْذُمِ وَالِافْتِرَاقِ. وَإِنَّ وَحْدَةَ اليَمَنِ لَتُعَزِّزُ شُعُورَ الأُمَّةِ بِالفَخْرِ وَالِاعْتِزَازِ، لِأَنَّهَا تُشَكِّلُ فِي هَذَا العَصْرِ لَبِنَةً فِي بِنَاءِ جَسَدِ الأُمَّةِ.
فَالْوَحْدَةُ اليَمَنِيَّةُ صِمَامُ أَمَانٍ
لِتَمَاسُكِ أَبْنَائِهَا فِي مُوَاجَهَةِ أَيِّ خَطَرٍ، فَتَفَرُّقُهَا وَتَشَرْذُمُهَا يُعَرِّضُهَا لِلضَّعْفِ.
فَالْوَحْدَةُ قُوَّةٌ وَأُخُوَّةٌ، وَالتَّوَاصُلُ وَالِاجْتِمَاعُ فَضِيلَةٌ وَمُرُوءَةٌ. وَالعَاقِلُ يُصْغِي إِلَى مَا يَنْفَعُهُ، وَيَبْتَعِدُ عَمَّا يَضُرُّهُ وَيُوجِعُهُ.
وَالْيَمَنِيُّ الأَصِيلُ -بِفَضْلِ إِيمَانِهِ وَحِكْمَتِهِ- هُوَ مَنْ يَبْتَعِدُ عَنْ كُلِّ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ يُسَاهِمُ فِي تَمْزِيقِ وَطَنِهِ، وَقَطْعِ أَوَاصِرِ الأُخُوَّةِ بَيْنَ أَبْنَاءِ وَطَنِهِ الَّذِي تَجْمَعُهُمُ العَقِيدَةُ الإِسْلَامِيَّةُ وَالأُخُوَّةُ الإِيمَانِيَّةُ.
فَلْيَكُنِ الجَمِيعُ عَلَى يَقِينٍ
أَنَّ مَنْ صَدَقَكَ فَقَدْ أَرْشَدَكَ، وَمَنْ نَصَحَكَ فَقَدْ أَحَبَّ لَكَ الخَيْرَ. فَلَا تَسْتَوْحِشْ مِنَ النَّاصِحِ، فَإِنَّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ نُصْحِهِ احْتَرَقَ بِمَكِيدَةِ الكَاشِحِ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي الحَدِيثِ النَّبَوِيِّ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». فَاحْفَظْ -أَخِي- وُدَّ أَهْلِكَ وَأَبْنَاءِ وَطَنِكَ، وَتَجَنَّبْ سَخَطَهُمْ تَفُزْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
وَلِلَّهِ دَرُّ القَائِلِ:
وَإِنِ امْرُؤٌ لَا يَتَّقِ سَخَطَ قَوْمِهِ
وَلَا يَحْفَظِ القُرْبَى لِغَيْرِ مُوَفَّقِ
فَلَا تُطِعْ مَنْ يُرِيدُ لِلْيَمَنِ التَّشَرْذُمَ وَالتَّقَاطُعَ وَالِاخْتِلَافَ، فَمَنْ يَسْتَمِعْ فِي قَوْمِهِ قَوْلَ كَاشِحٍ
أُصِيبَتْ كَمَا شَاءَ العَدُوُّ مَقَاتِلُهُ
وَظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى عاقبته وخيمه، وَمَنْ أَغْلَقَ عَنْ أَخِيهِ بَابَهُ ذُمَّ إِلَيْهِ خُلُقُهُ وَآدَابُهُ، فَظُلْمُ القَرَابَةِ خَسَاسَةٌ. وَقَدِيمًا قِيلَ:
وَظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مُضَاضَةً
عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّدِ
وَفِي القُرْآنِ العَظِيمِ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾.
فَالْمُسْلِمُ مَعَ قَرَابَتِهِ الَّتِي تَرْبِطُهُ بِأَبْنَاءِ بَلَدِهِ مُحْتَاجٌ إِلَى أَنْ يُؤَدِّيَ مَا افْتَرَضَهُ اللهُ عَلَيْهِ. فَعَادَةُ الكِرَامِ الجُودُ، وَعَادَةُ اللَّئَامِ الجُحُودُ. إِذَا أَذْنَبْتَ فَاعْتَذِرْ، وَإِذَا أُذْنِبَ إِلَيْكَ فَاغْتَفِرْ. فَالْمَعْذِرَةُ بَيَانُ العَقْلِ، وَالمَغْفِرَةُ بُرْهَانُ الفَضْلِ.
وَإِيَّاكَ أَنْ تُسِنَّ فِي قَوْمِكَ
مَا يُعَقِّبُ الإِثْمَ وَالوِزْرَ، فَتَكُونَ كَمَنْ قِيلَ فِيهِ:
تَلُومُ عَلَى القَطِيعَةِ مَنْ أَتَاهَا
وَأَنْتَ سَنَنْتَهَا فِي النَّاسِ قَبْلِي
فَالْإِسْلَامُ وَضَعَ مَبَادِئَهُ وَأَحْكَامَهُ عَلَى أَسَاسِ مَصْلَحَةِ المُجْتَمَعِ كُلِّهِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ﴾.
وَالرَّدُّ إِلَى اللهِ هُوَ الرَّدُّ إِلَى كِتَابِهِ، وَالرَّدُّ إِلَى رَسُولِهِ هُوَ الرَّدُّ إِلَى سُنَّتِهِ الصَّحِيحَةِ. وَمَصْلَحَةُ المُجْتَمَعِ اليَمَنِيِّ كُلِّهِ قَائِمَةٌ فِي المُحَافَظَةِ عَلَى الوَحْدَةِ وَالاتِّحَادِ، وَنَبْذِ التَّنَابُزِ وَالشِّقَاقِ.
فَالْمُحَافَظَةُ عَلَى وَحْدَةِ اليَمَنِ فِيهَا حِفْظٌ لِمَكَانَةِ أَبْنَائِهِ، وَثَرَوَاتِهِمُ الطَّبِيعِيَّةِ، وَحُقُوقِهِمْ، وَجَمَاعَتِهِمْ، وَأَفْرَادِهِمْ، وَمَصَالِحِهِمْ، وَسِيَادَةِ بِلَادِهِمْ وَاسْتِقْلَالِهَا. وَبِهَا يَسْتَطِيعُونَ صَدَّ أَيِّ اعْتِدَاءٍ، وَتَفْوِيتَ الفُرْصَةِ عَلَى مَنْ يُرِيدُ تَمْزِيقَهُمْ. فَالْيَمَنُ تَتَّسِعُ لَهُمْ جَمِيعًا، وَالأُخُوَّةُ الإِسْلَامِيَّةُ تُوَحِّدُهُمْ. وَالمُؤْمِنُ آلَفُ مَأْلُوفٍ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ.
فرَأْسُ العَقْلِ بَعْدَ الإِيمَانِ بالله التَّوَدُّدُ إِلَى النَّاسِ. وَمَا اسْتَغْنَى مُسْتَبِدٌّ بِرَأْيِهِ، وَمَا هَلَكَ أَحَدٌ عَنْ مَشُورَةٍ.
وَلَا مُشِيرَ كَذِي نُصْحٍ وَمَقْدِرَةٍ
فِي مُشْكِلِ الأَمْرِ فَاخْتَرْ ذَاكَ مُنْتَصِحًا
وَلَا يَسْتَفِيدُ مِنَ التَّقَاطُعِ إِلَّا أَعْدَاءُ اليَمَنِ الَّذِينَ يَشُنُّونَ عَلَيْهَا حُرُوبًا عَسْكَرِيَّةً وَاقْتِصَادِيَّةً وَسِيَاسِيَّةً. وَإِنَّ مِنَ الحِكْمَةِ تَشْكِيلَ لَجْنَةٍ مِنْ أَبْنَاءِ يَمَنَ الإِيمَانِ وَالحِكْمَةِ؛ لِتَقُودَ النَّاسَ إِلَى الشُّورَى وَالحِوَارِ بِالحِكْمَةِ.
فَمَنْ جَعَلَ الشُّورَى مَنْهَجَهُ، وَأَخَذَ بِمَا جَاءَ فِي القُرْآنِ مُسْتَرْشِدًا بِرَأْيِ قَائِدِ مَسِيرَةِ القُرْآنِ، سَدَّدَهُ اللهُ وَوَفَّقَهُ. فَفِي الحَدِيثِ: «مَا تَشَاوَرَ قَوْمٌ قَطُّ إِلَّا هُدُوا إِلَى رُشْدٍ».
وَقَدْ أَحْسَنَ بَشَّارُ بْنُ بُرْدٍ حَيْثُ يَقُولُ:
إِذَا بَلَغَ الرَّأْيُ المَشُورَةَ فَاسْتَعِنْ
بِرَأْيِ لَبِيبٍ أَوْ مَشُورَةِ حَازِمِ
وَلَا تَجْعَلِ الشُّورَى عَلَيْكَ غَضَاضَةً
فَإِنَّ الخَوَافِيَ قُوَّةٌ لِلْقَوَادِمِ
وَقَدْ أَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ بِالمُشَاوَرَةِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ﴾.
فَبِالشُّورَى تُبْنَى المُجْتَمَعَاتُ الفَاضِلَةُ، وَالدُّوَلُ القَوِيَّةُ، وَيَحْصُلُ النَّصْرُ، وَتَسْتَمِيلُ القُلُوبُ. وَيَتَعَاوَنُ أَهْلُ الشُّورَى مِنْ أَجْلِ بِنَاءِ الأَوْطَانِ وَعِمَارَةِ الأَرْضِ وَإِرْضَاءِ الرَّبِّ.
وَقَدْ كَانَتِ الشُّورَى مِنْ صِفَاتِ المُؤْمِنِينَ المُوَحِّدِينَ، كَمَا يَقُولُ العَزِيزُ الحَكِيمُ: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾.
وَقَدْ جَاءَتْ جُمْلَةُ ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ﴾ مُتَوَسِّطَةً بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ؛ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الشُّورَى مِنَ العِبَادَاتِ المُلَازِمَةِ لِلْمُسْلِمِ. وَعُمُومُ الخِطَابِ فِي الآيَةِ جَاءَ بِطَبِيعَةِ الخَبَرِ وَالمَدْحِ، وَهُوَ أَعْظَمُ مِنَ الأَمْرِ الصَّرِيحِ عِنْدَ البَيَانِيِّينَ.
يَا رَافِعًا رَايَةَ الشُّورَى وحارسها
جَزَاكَ رَبُّكَ خَيْرًا عَنْ مُحِبِّيهَا
فَرَأْيُ الجَمَاعَةِ لَا تَشْقَى البِلَادُ بِهِ
رغم الخلاف وَرَأْيُ الفَرْدِ يُشْقِيهَا.
فَالشُّورَى سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ، وَقَدْ حَقَّقَ المُسْلِمُونَ بِهَا -فِي سَابِقِ عَهْدِهِمْ- انْتِصَارَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَأَصْبَحُوا سَادَةَ الأُمَمِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا رُعَاةَ الشَّاءِ وَالغَنَمِ.
فَإِذَا أَرَادَ المُسْلِمُونَ عِزَّهُمْ فَلْيَجْعَلُوهَا أَسَاسًا فِي حُكْمِهِمْ، وَلَا نَظُنُّ بِأَبْنَاءِ يَمَنَ الإِيمَانِ التَّخَلِّيَ عَنْهَا أَوِ التَّفَلُّتَ مِنْهَا.
وَكَفَى بِالمُعْتَدِينَ عَلَى اليَمَنِ تَكَبُّرًا وَاسْتِعْلَاءً! فَإِنْ أَصَرُّوا عَلَى الاسْتِمْرَارِ فِيمَا هُمْ فِيهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ سَبَبًا فِي هَلَاكِهِمْ.
وَلْيُوَجِّهِ الجَمِيعُ قُوَّتَهُمْ لِإِنْقَاذِ الشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ، وَتَحْرِيرِ الأَقْصَى الشَّرِيفِ مِنْ يَدِ اليَهُودِ الغَاصِبِينَ، فَذَلِكَ شَرَفٌ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ. وَلْيَعْقِدُوا العَزْمَ عَلَى تَعْزِيزِ وَحْدَةِ الأُمَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ، وَبِنَاءِ قُوَّتِهِمْ تَحْتَ رَايَةِ القُرْآنِ، فَذَلِكَ سَبِيلُ المُؤْمِنِينَ: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
العِزَّةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَالخِزْيُ وَالهَزِيمَةُ لِلْكَافِرِينَ وَالمُنَافِقِينَ.
وَلَا نَامَتْ أَعْيُنُ الجُبَنَاءِ.