** ” و قالت هيت لك قال: معاذ الله” **

بقلم _ أشواق مهدي دومان

استوقفتني طويلا الآية الكريمة التي تفصح عن شيئ من حياة و قناعة و ثقافة و بيئة شخصية نبي الله( يوسف ) ( عليه السلام ) و هي الآية التي تقول : ” و راودته التي هو في بيتها عن نفسه و غلّقت الأبواب و قالت هيت لك ، قال : معاذ الله” ..
و هنا لنا أن نرتب الضمائر التي وردت في الآية الكريمة لنتعرف من خلالها على قوة الموقف و أنفة و عفة سيدنا يوسف في أن يقرب من الفاحشة رغم حضوره القوي المؤكد في نفس التي هو في بيتها ،
لم يذكر القرآن صوتها بأنها امرأة العزيز هنا و لم يخبر عن جمالها و غناها بل هي امرأة و هو رجل و هو في بيتها فسبيل الانحراف و الغواية أسهل من رمشة طرف خاصة و هي من تبادره و لكن ثبات المبدأ و شرف الرجولة و قبل كل شيئ رقابته لله .. استحضار الله في ضميره الذي تقدم ضميرها، فهو من راودته ، و هي التي راودته ،
راودته : فعل تأخر فاعله و تقدم مفعوله الذي هو هاء الغيبة الذي يعود على سيدنا يوسف ، أما فاعل راودته هو الاسم الموصول : التي ،
ثم جاءت جملة صلة الموصول بعد التي مبتدئة بضمير هو : ” هو في بيتها ” (هو ضمير يعود على يوسف ) في بيتها ( هاء الغيبة يعود عليها ) ،
غلقت : فعل ، وفاعله ضمير مستتر تقديره هي يعود على امرأة العزيز ، و قالت : فعل و فاعله أيضا ضمير مستتر تقديره هي يعود على امرأة العزيز ، و قالت : هيت لك ،
لقد هيأت له أسباب الغواية ، و لنلاحظ بلاغة حروف هيت : كأنها تقول : هيّأت لك و قد هيّأت أسباب ( الانحراف) التي دلّت عليها ثلاثة أفعال متتالية : راودته .. غلّقت ( بتشديد الإغلاق الذي تدل عليه الشدة على حرف اللام في غلّقت ) ، و الفعل الثالث و الأخير : قالت : هيت ، بمعنى تعال ،
أما هو فرغم أنه أصبح محاصرا بين راودت و غلقت و قالت ..
نعم حاصرته و كأنه كان في حالة تعجب .. ذهول أو لم تتضح له الصورة و لكنها حين نطقت و صرّحت بقولها : هيت لك ، هنا لم يعد من مجال للمجاملة و خيانة رب العالمين،
هنا نطقت الرجولة و الشرف و الإيمان بالله و رقابته فالرد كان سريعا منه ،
و بعد صمته الذي اعتقدته هي أنه مغيب هنا حوار مواجهة فبمجرد أن قالت هيت لك ، قال بلا تراخ في الرد : معاذ الله !!
وهنا يطبق قيمة نهي الله المباشر حين قال في آية أخرى :” لاتقربوا الفواحش ” فلو تأخر سيدنا يوسف قليلا عن الرد لربما وسوست إليه نفسه .. ربما زاغ و مال ببشريته ، و لكنه قال مباشرة : معاذ الله ،
ذكر الله باطمئنان نفسه الأوابة المطمئنة ، و قمع نفسها الأمارة بالسوء ، فما كان إلا أن عادت لتراه بروحها بدلا عن عينيها التي شغفت بجماله ،
لكأنه قال لها ب ” معاذ الله ” : إن عشقت فلتعشقي الروح الواثقة بالله ..
سيدنا يوسف يلفتها عن المادية لتبحث هي عن جماله الروحي .. لقد صدمها بقوله : معاذ الله،
إنه مرتبط بخالق قال له : لاتقربوا الفواحش، و قد صدق مع ربه ، صدمت برجل يرفض أنثى ، و كانت تنظر إليه ذكرا كبقية القطيع لو استجاب لها ، و قلت القطيع لأن الإنسان المؤمن لولا عفته لكان مجرد حيوان اختلف عن بقية الحيوانات بقدرته على النطق فقط ،
نعم : لقد أدبه ربه فأدبها، و هكذا لم يقص علينا رب العالمين في كتابه أحسن القصص لنتزين بالقرآن في مجالس العزاء بل لنقتدي برسله و أنبيائه ؛ لأن أنبياءه قدوة و أسوة لنا كمؤمنين و إلا فما قيمة الإيمان و أنت تسرد عبارات الغزل و الوله و الغرام على صديقتك في الفيس أو الواتس أو الانستغرام و غيرها ، ما قيمة الإيمان و أنت تتدرج لتطلب منها صورتها و صوتها و تطلب منها ، بل و تحاول أن تسهل جريمة بذاءة ما قد يتداعى منه التواصل بالغزل و الغراميات ما يسهل و يهون الفاحشة الفعلية ، و ربما كانت هي من تدعوك لها و أنت بذكوريتك لا برجولتك تستجيب و تغيب ضميرك و تسيطر عليك ردود الغريزة الحيوانية ليقول لك يوسف : قف حتى لا تكفر بالله ،
يقول لكِ يا من تسعين لإغراء الذكور : معاذ الله ،،

رائعة هي و من أحسن القصص هي قصة ذلك الذي شغفها حبا فقطعت صديقاتها أيديهن حين رأين جماله ، و لكنهن عرفنه عصاميا فقلن مباشرة : ” ماهذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم ”
نعم : نسمو للملائكية بموقف واحد فقط و قد نرتع في الحيوانية بعكس الموقف ،
قصة قرآنية لنبي قسيم وسيم زاده الله جمالا وتبعته أنثى جامحة فتحولت بعد أن هذبت نفسها و ارتقت بها عن حضيض الحيوانية إلى زوج نبي
تحولت إلى قلبه و روحه بعد أن آمنت بما آمن ،
إذن : يا معشر المفسبكين و المفسبكات : لا تتحجروا و تتقوقعوا في زوايا ضيقة و انفتحوا نعم لكن لا تنحرفوا و لا تسوّل لكم أنفسكم ما سوّلت لمن سبقكم ، فلا تقربوا الفاحشة بحرف ثم كلمة ثم لقاء ثم فاحشة فطريق الانحراف أسهل و لكن كونوا كيوزرسيف و قولوا نساء و رجالا : معاذ الله ، و عليكم السلام .

جمعة مباركة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى