فلسفة الشهادة
بقلم _ ريما فارس
لم تكن الشهادة عندنا لحظة موت، بل كانت دومًا لحظة ولادة. لم تكن قرارًا عابرًا في مواجهة سيف، بل كانت مقامًا تُقام فيه الحُجج وتُسطَّر به الملاحم. فالشهادة ليست فلسفة أدبية تُنظَّر من خلف مكاتب، بل هي مدرسة كربلائية، تفتَّحت على أرضها معاني العز، وازدهرت فوق دمائها كرامة الإنسان.
في عُرف المقاومين، لا تُعدّ الشهادة نهاية المطاف، بل ذروة المسير، ومفترق التحوّلات الكبرى. الشهيد لا يختار الموت، بل يختار الحياة كما يجب أن تكون: حرّة، منيعة، لا تُباع في أسواق المساومات السياسية. يقدِّم روحه ليبقى الوطن حيًا، وتبقى الأمة واقفة على قدميها.
من الحسين عليه السلام تعلّمنا أن الدم حين يُسفك في سبيل الله، يصبح أبلغ من كل خطبة، وأقوى من كل سلاح. ومن كربلاء أخذنا معنى أن تكون الشهادة سلاح الضعفاء في وجه الطغاة، لا لتُنهزم، بل لتنتصر بعد حين. فها هو الحسين يُذبح عطشانًا، لكن ظمأه أنبت نهرًا من الوعي، وجراحه فتحت أفقًا لا يسدّه نسيان ولا تغلقه قرون.
الشهادة عندنا ليست انتحارًا، بل انبعاث. ليست هروبًا من الحياة، بل اقتحامًا لها من أوسع أبوابها. الشهيد لا يُسلِم روحه فقط، بل يسلِّم من بعدها إرثًا من الإرادة، وتوقًا إلى العدل، ورايةً تظلّ مرفوعة في وجه العاصفة.
ولهذا نقول إن الشهداء أمراء. لا لأنهم نالوا المجد في لحظة الدم، بل لأنهم حرّروا من حولهم من قيد الخوف، ورفعوا مستوى الإنسانية من ساحة العيش إلى ميدان المعنى.
الشهادة فلسفة لا تُفهم إلا في حضرة القيم، ولا تُدرَك إلا لمن آمن بأن الكرامة لا تُستعطى، بل تُنتزع. فإما حياة تليق بالأحرار، أو شهادة تُنبت ألف حياة.