والعــالم يعتــاد
بقلم _ إلـهام الأبـيض
في مشهد يتجاوز حدود المأساة الإنسانية، وتتكسر على صخوره كل معاني العدالة، تتعرض غزة لإبادة مفتوحة على مرأى ومسمع العالم. لم يعد الأمر مجرد حرب، بل هو محو ممنهج لشعب بأكمله، جريمة تتكرر فصولها يومياً، والغريب أن العالم يبدو وكأنه يتكيف مع هذا الرعب، بل ينتظر المجزرة التالية وكأنها حدث عادي. الإدانات الباهتة والتصريحات الخجولة لم تفعل شيئاً لوقف آلة القتل، ولم تقطع شريان السلاح عن مجرمي الحرب الذين يبررون عدوانهم بأبشع الأكاذيب. في ظل هذا الصمت المطبق وهذا التواطؤ المفضوح، يصرخ السؤال في وجه كل ضمير حي: إلى متى هذا الاعتياد؟
ومتى يستفيق الضمير العالمي وتتحرك الأمة لنصرة غزة؟
يبدو أن العالم قد اعتاد على مشهد المذبحة المستمرة في قطاع غزة، لدرجة أن كل جريمة جديدة لا تفعل شيئاً سوى أن تجعلنا ننتظر الجريمة التالية. الإدانات الخجولة والانتقادات المتزايدة لسلوك الكيان المحتل – سواء من الغرب أو الشرق – لم تُترجم أبداً إلى خطوات عملية توقف تدفق السلاح إلى مجرمي الحرب، أو تضع حداً لعدوان يمضي فيه الصهاينة بوصفه معركة مقدسة بين الخير والشر. لا يتوقفون عن الحديث عن حقهم المزعوم في الوجود والأمن، بينما يعملون ليل نهار على محو شعب بأكمله من الوجود واستئصاله من أرضه.
وسط هذا المشهد المروع، يبقى السؤال يتردد، وسيزداد ترداده مع كل يوم يمر على هذه الإبادة: أين أهل غزة؟ ماذا ينتظر الجيران والأشقاء، والملياران مسلم حول العالم؟ متى يرفضون المعايير المزدوجة التي تُدار بها الأزمات الدولية، ويدركون أن التحدي لا يخص غزة وحدها، بل يعصف بمستقبل كل العرب والمسلمين؟ إن الاستجابة لنداءات استغاثة غزة ليست مجرد مسألة تعاطف أو تضامن عابر، بل هي معركة مصيرية تتعلق بالوجود ذاته، وتستدعي النفير العام للدفاع عن مستقبل الأمة. فمن يفرط في حاضره ويضيّع يومه، سيكون مستقبله أكثر ضياعاً
ولكي لا يكون المصير هو الضياع، يجب التوقف عن التيه والضياع والتوجه نحو المواجهة الفعلية للعدو. هناك سبل متعددة للمقاومة والمواجهة. لقد أثخنت أيام المعركة العدو، وهو يترنح تحت ضربات المقاومة، حتى وإن ادعى التقدم والسيطرة على أجزاء من القطاع. وجهه سيسوء حتماً، وسيجد نفسه مضطراً للبحث عن خطط بديلة، كما حدث له مراراً وتكراراً.
تماماً كما اضطرت القوة العظمى (الولايات المتحدة) مؤخراً لإعادة تقييم استراتيجياتها العسكرية، بعد أن واجهت تحديات معقدة وبيئة قتال جديدة، خاصة في مواجهة اليمن وما تعرضت له قواتها البحرية من انتكاسات تكتيكية محرجة كشفت حدود هيمنتها المطلقة. واليمنيون ما زالوا على عهدهم، يملأون الخنادق ويحملون السلاح، ويعدون المسيرات والصواريخ، ويواصلون الضغط على الكيان المؤقت بحظر الملاحة الجوية.
بينما يواصل أهل غزة صمودهم الأسطوري وصبرهم الجميل، متوكلين على الله، تبقى المسؤولية على عاتق الأمة بأسرها. النصر حليف الصابرين المجاهدين، والخزي والعار لمن خذل وتخاذل.إن ما يحدث في غزة ليس مجرد حدث عابر، بل هو نقطة تحول في تاريخ أمتنا والعالم. الاعتياد على المذبحة والصمت على الجريمة ليسا خياراً، بل هما تواطؤ صريح ثمنه باهظ على المدى القريب والبعيد. لقد آن الأوان لندرك أن مصيرنا مرتبط بمصير غزة، وأن الدفاع عنها هو دفاع عن وجودنا وكرامتنا. لا يمكن الرهان على ضمير عالمي متخاذل، ولا على أنظمة تبيع قضاياها بثمن بخس. الحل يكمن في استعادة زمام المبادرة، في النفير الذي يليق بحجم التحدي، وفي المقاومة التي أثبتت أنها وحدها القادرة على إيلام العدو وكشف ضعفه. إن صمود غزة هو شعلة الأمل، ومسؤولية الأمة هي أن تحيط هذه الشعلة بالنصر. التاريخ لن يرحم المتخاذلين، والمستقبل لن يبنيه إلا الصادقون الصامدون. فهل نستفيق قبل فوات الأوان؟
#الحملةالدوليةلفك حصار مطارصنعاء
#اتحاد كاتبات اليمن