الإمام محمد الجواد “ع”: نور في زمن الظلام وتحدٍ للسلطة العباسية..!

بقلم _ إنتصار الماهود 

 

في زمنٍ كثرت فيه الفتن، واستبدّت فيه السلطة العباسية باسم الخلافة، سطع نور الإمام محمد الجواد عليه السلام، تاسع أئمة أهل البيت عليهم السلام، ليحمل مشعل الهداية وسط ظلام السياسة والانحراف الديني والفكري والعقائدي الذي فرضه العباسيون ، ويثبت أن الإمامة منصب رباني لا تحده الأعمار ولا تقيّده معايير الدنيا.

 

وُلد الإمام الجواد سنة 195 هـ في المدينة المنورة، ونشأ في بيت العلم والنبوة، حيث تربّى في كنف والده الإمام الرضا عليه السلام. وبعد استشهاد أبيه، تولى الإمامة وهو لم يتجاوز التاسعة من عمره، في سابقة أذهلت حتى أولئك الذين تعوّدوا على المعجزات في سيرة أهل البيت. وكان هذا التولي المبكر رسالة إلهية واضحة: أن الإمامة لا تخضع لموازين الناس، بل هي اصطفاء من الله تعالى ونور يضعه حيث يشاء

 

** منابر العلم لآل البيت عليهم السلام تتحدى بلاط السلاطين

 

رغم صغر سنه، واجه الإمام الجواد كبار العلماء والفقهاء في البلاط العباسي المنحرف، وكان أشهرهم يحيى بن أكثم، في مناظرة كشفت عجز الخصوم وعمق علم الإمام صلوات الله عليه، فكان ذلك فضيحة فكرية للخلافة العباسية التي كانت تحاول تصوير نفسها كحامية للدين والشرع وتحوّلت مجالس الجواد عليه السلام إلى منابر علمية ينهل منها طلاب الفقه والكلام، خاصة في الكوفة وبغداد.

 

لم يكن الإمام فقط فقيهًا وعالمًا، بل كان مشروع نهضة روحية وأخلاقية. كان يعلّم الناس الزهد في الدنيا، والعدل في المعاملة، والصدق مع النفس، في وقت ساد فيه الفساد السياسي والترف الملكي.

 

** الامام الجواد عليه السلام والسياسة: حضور طغى على العباسيين

 

حاول الخليفة المأمون العباسي احتواء الإمام عبر تزويجه من ابنته “أم الفضل”، لكنه سرعان ما أدرك أن هذا الزواج لم يغيّر من مكانة الإمام في قلوب الناس، بل زاده هيبة وتأثيرًا. فلم يكن الجواد عليه السلام من أولئك الذين يسكتون أمام الظلم، بل كان حضوره الصامت يعرّي فساد السلطة ويهزّ عروش المستبدين ولم يجدوا بدا لإسكات صوته الا الغدر والحيلة للتخلص من اثار ما أصبحوا يعانونه من فشل سياسي وفضائح متكررة بسبب فسادهم الذي نخر جسد الأمة الإسلامية فكان لابد من قتل الإمام عليه السلام لقتل فكره وصوته وهم لا يعلمون اي ذنب يرتكبون

 

**الموت غدرًا على يد من يحسبون اولاد العم

 

مع انتقال الحكم إلى المعتصم العباسي، ازداد التربص بالإمام. وأدرك المعتصم أن وجود الإمام يهدد شرعية حكمه القائم على السيف والدسائس، فدبّر له مكيدة اغتيال عبر السم، ونفذت الجريمة بيد زوجته أم الفضل، التي دسّت له السم في طعامه، بأمر من الخليفة الملعون

 

واستشهد الإمام في بغداد سنة 220 هـ، ودفن إلى جوار جده موسى الكاظم عليه السلام، في الكاظمية، ليتحوّل قبره إلى منارة للزائرين ومركز للتأمل في معنى التضحية والثبات.

 

**إرث الامام محمد الجواد عليه السلام يتجاوز الأعمار والأزمان

 

لم يتوقف تأثير الإمام الجواد عند استشهاده، بل بقي حيًا في تراث الأمة. أقواله، رسائله، مواقفه، ومنهجه التربوي، لا تزال تُدرّس في الحوزات والمراكز الفكرية. فقد أثبت أن الإمام الحق لا يحتاج إلى عمر طويل ليُحدث أثرًا عميقًا، بل يكفيه الإخلاص لله، والربط بالحق، والتصدي للباطل ولو بكلمة وهذا ما لمسناه بكل ما وصلنا من إرث سادتنا عليهم السلام

 

قبل أن نختم مقالنا عن السيرة العطرة لتاسع المعصومين المكرمين اذكر بالدور الذي لعبه بني مروان وبني العباس في محاولاتهم الخبيثة لتذويب فكر ال البيت عليهم السلام ومطاردة اتباعهم.

 

نحن نذكّر لان دور الأمويين والعباسيين لم ينتهي ولازالت سلالتهم باقية تحاول إكمال ما فعله أسلافهم من طمس الهوية الإسلامية المحمدية الحقة

 

لقد عانى أهل البيت عليهم السلام معاناة شديدة من الاضطهاد والتضييق في عهدي الأمويين والعباسيين، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو حتى الشخصي وحاولوا طمس الإسلام المحمدي الذي حمل شعاع نوره اهل البيت عليهم السلام من خلال تدبير المكائد والدسائس والاغتيالات

 

** في عهد بني أمية:

 

الإقصاء السياسي والتضييق: منذ تولي معاوية الحكم، بدأ التضييق على أهل البيت، خاصة بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام، وبلغ ذروته في معركة كربلاء، حيث استشهد الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه بطريقة وحشية على يد جيش يزيد.

 

السبّ على المنابر: كان من سياسة بني أمية سبّ الإمام علي عليه السلام علناً على المنابر، وهو أمر استمر لعقود حتى أوقفه الخليفة عمر بن عبد العزيز.

 

المطاردة والقتل: لاحقوا العلويين في كل مكان، فتعرضوا للقتل أو السجن أو النفي.

 

** في عهد بني العباس:

 

رغم أنهم رفعوا شعار “الرضا من آل محمد” للوصول إلى الحكم، سرعان ما انقلبوا على العلويين بعد تثبيت سلطتهم.

 

اضطهاد أئمة أهل البيت: سُجن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام في سجون هارون الرشيد، واستُشهد فيها. وكذلك تعرض بقية الأئمة عليهم السلام للمراقبة الشديدة والتضييق.

 

القتل الجماعي: في بعض الفترات، شنت حملات على العلويين، مثل ما فعله السفاح والمنصور، حيث قُتل الكثير من أبناء فاطمة الزهراء عليهم السلام.

 

هذا الاضطهاد لم يكن فقط سياسياً، بل كان محاولة لطمس الفكر المحمدي الأصيل الذي تمثّله مدرسة أهل البيت، ولولا صبرهم وثباتهم لما بقيت معالم الدين نقية كما ارادوها اهل البيت عليهم السلام

 

أما الآن وسط جنون المؤامرات ضد التشيع والمتشيعين التي نعيشها ، ما أحوجنا إلى استحضار سيرة الإمام الجواد عليه السلام، في التوازن بين العلم والموقف، بين الصبر والثبات، وبين الإصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة، فحياته لم تكن مجرد مرحلة تاريخية، بل هي مشروع دائم للهداية والنهضة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى