(الحَجُّ المَبْرُورُ وَالسَّعْيُ المَشْكُورُ)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

 

بقلم _  عَبْدُ الْإِلَهِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجُنَيْدِ

طُوبَى لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَمَّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ لِأَدَاءِ فَرِيضَةِ الْحَجِّ، فَأَقْبَلَ عَلَى اللَّهِ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ وَنَفْسٍ طَاهِرَةٍ زَكِيَّةٍ نَقِيَّةٍ سَرِيرَتِهِ، مُعْتَرِفًا لِلَّهِ بِخَطِيئَتِهِ، مُسْتَغْفِرًا رَبَّهُ، مُتَبَرِّئًا مِنْ ذُنُوبِهِ وَزَلَّاتِهِ، مُخْلِصًا فِي تَوْبَتِهِ.
ثُمَّ لَجَأَ إِلَى مَوْلَاهُ الرَّءُوفِ الرَّحِيمِ، وَأَنَاخَ بِبَابِهِ فَزِعًا لِيَكْشِفَ غُمَّتَهُ وَيُفَرِّجَ عَنْهُ كُرْبَتَهُ وَيُنْجِيَهُ مِنْ مُصِيبَتِهِ.

فَأَقْبَلَ – لَمَّا أَقْبَلَ – مُحْتَسِبًا مُتَوَكِّلًا عَلَى رَبِّهِ الْأَعْلَى، مُسْتَمِدًّا مَعُونَتَهُ، إِذْ كَانَتْ كُلُّ قَضَايَا الْأُمَّةِ نُصْبَ عَيْنَيْهِ، وَالْقَضِيَّةُ الْفِلَسْطِينِيَّةُ هَمَّهُ وَقَضِيَّتَهُ.
وَدَعْمُ وَإِسْنَادُ غَزَّةَ مَسْؤُولِيَّتُهُ، حَتَّى أَضْحَتْ مَظْلُومِيَّتُهَا مَظْلُومِيَّتَهُ، وَوَاجِبُ الْانْتِصَارِ لَهَا أُولُوِيَّتُهُ.
وَمُقَارَعَةُ الظَّالِمِينَ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لِرَدِّ كَيْدِ الْكَائِدِينَ الظَّالِمِينَ الطُّغَاةِ الْمُتَجَبِّرِينَ الْمُعْتَدِينَ، وَإِعْلَانُ الْحَرْبِ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ سَبِيلُهُ، لَا يُبْتَغِي مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ إِلَّا رِضْوَانَ اللَّهِ وَرَحْمَتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ.

ثُمَّ عَزَمَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَلِلْحَجِّ عَقَدَ نِيَّتَهُ، وَارْتَدَى ثَوْبَ الْإِحْرَامِ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ.
فَلَمَّا بَلَغَ الْكَعْبَةَ، طَافَ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ طَوَافَ الْقُدُومِ وَالْإِفَاضَةِ وَالْفَرْضِ وَالْمَسْنُونِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، مُرَدِّدًا: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ». ثُمَّ إِلَى صَعِيدِ عَرَفَةَ، حَيْثُ وَقَفَ ذَاكِرًا لِلَّهِ كَثِيرًا، مُعْلِنًا لِلَّهِ الْوَحْدَانِيَّةَ، مُتَوَلِّيًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، مُتَبَرِّئًا مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَوَلَّاكَ وَنَتَوَلَّى رَسُولَكَ، وَنَتَوَلَّى الْإِمَامَ عَلِيًّا، وَنَتَوَلَّى مَنْ أَمَرْتَنَا بِتَوَلِّيهِمِ: السَّيِّدَ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ بَدْرِ الدِّينِ الْحُوثِيَّ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ أَعْدَائِكَ، أَعْدَاءِ رَسُولِكَ، أَعْدَاءِ أَوْلِيَائِكَ».
عَمَلًا بِمُقْتَضَى التَّنْزِيلِ بِقَوْلِ رَبِّنَا الْجَلِيلِ:
> ﴿ وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ۚ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [التوبة: ٣]

وَقَوْلِهِ تَعَالَى:
> ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: ٥١]

وَقَوْلِهِ تَعَالَى:
> ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ [المائدة: ٥٥]

وَفِي مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَيَوْمَ التَّرْوِيَةِ بَاتَ وَأَدَّى مَنَاسِكَهُ وَمَا هُوَ مَحْتُومٌ. وَفِي يَوْمِ الْعِيدِ صَلَّى وَقَدَّمَ ذَبِيحَتَهُ قُرْبَانًا لِلَّهِ، وَهُوَ يُكَبِّرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَأَوْلَانَا وَأَحَلَّ لَنَا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ.
ثُمَّ تَهَيَّأَ اسْتِعْدَادًا لِلْحَرْبِ عَلَى الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، لِلتَّحَرُّرِ مِنْ عَدَاوَتِهِ الشَّدِيدَةِ وَوَسْوَسَتِهِ لِإِغْوَاءِ الْإِنْسَانِ، وَسَعْيِهِ الدَّؤُوبِ لِإِضْلَالِ الْعِبَادِ، وَذَلِكَ بِرَمْيِ الْجِمَارِ لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِإِبْطَالِ بَاطِلِهِ وَبَاطِلِ أَوْلِيَائِهِ، ﴿ إِنَّهُ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا ﴾، وَكُلِّ مُجْرِمٍ مُتَجَبِّرٍ مُسْتَكْبِرٍ ظَلُومٍ. وَفِي كُلِّ مَنْسَكٍ يَهْتِفُ بِشِعَارِ: «اللَّهُ أَكْبَرُ، الْمَوْتُ لِأَمْرِيكَا، الْمَوْتُ لِإِسْرَائِيلَ، اللَّعْنَةُ عَلَى الْيَهُودِ، النَّصْرُ لِلْإِسْلَامِ».
وذلك اِمْتِثَالًا لقَوْلِهِ تَعَالَى:
> ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ [المائدة: ٨٢]

ثُمَّ قَصَدَ مَدِينَةَ الرَّسُولِ الْأَعْظَمِ *بِزِيَارَةٍ* مُحِبٍّ رَاغِبٍ عَاشِقٍ لِسَيِّدِ الْكَوْنَيْنِ وَحَبِيبِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَخَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ.

فَلَمَّا كَانَ الْمُؤْمِنُ الْأَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، الْوَافِدُ عَلَى مَوْلَاهُ مُفْتَقِرًا مُتَضَرِّعًا، سَأَلَ مَالِكَهُ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنْهُ مَنَاسِكَهُ وَحَجَّتَهُ كَذَلِكَ.

فَيَوْمَئِذٍ لَا يَعُودَنَّ الْمُؤْمِنُ إِلَّا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، وَاسْتَجَابَ دُعَاءَهُ، وَقَبِلَ حَجَّتَهُ، وَفَازَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ، وَكَتَبَهُ اللَّهُ فِي خَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ.
فَعَادَ مِنْ حَجِّهِ مُطَهَّرًا نَقِيًّا مِنْ ذُنُوبِهِ وَزَلَّاتِهِ، كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، بَلْ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. ﴿ ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾، وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، ﴿ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾.

*وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.*
ــــــــــــــــــــ

اللهُ أَكْبَرُ
الْمَوْتُ لِأَمْرِيكَا
الْمَوْتُ لِإِسْرَائِيلَ
اللَّعْنَةُ عَلَى الْيَهُودِ
النَّصْرُ لِلْإِسْلَامِ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى