الغيبة والثورة والدولة
بقلم _ علي جاسب الموسوي
2025/6/2
في الثالث من حزيران عام 1989، غابت الشمس ظاهريًا، لكنّ نورها انتشر في الأفق .. رحل الإمام روح الله الموسوي الخميني، لكنه لم يترك فراغًا، بل ترك منهجًا يُستنبت في الضمائر، ومشروعًا حيًّا يتجاوز الزمن.
لقد قدّم الإمام الخميني قدس، في زمن الغيبة، نموذجًا عقائديًا غير مسبوق في الجمع بين فقه الانتظار، ومنطق الثورة، وشروط الدولة الإسلامية .. لم تكن ثورته انقلابًا على طاغية فحسب، بل كانت قيامًا على مستوى التاريخ، وإحياءً لحركة الأنبياء والأئمة عليهم السلام في زمن تعطّلت فيه الحاكمية الإلهية وغُيِّبت فيها معالم الحق.
وهنا نحدد من الغيبة… إلى الحضور في زمن الغيبة الكبرى، ظنّ الناس أن دور الفقيه هو حفظ الشريعة في بطون الكتب، لكن الإمام جاء ليُعيد تعريف دور الفقيه: صوت الغيب في زمن الظهور المؤجّل، ووكيل الحجة في قلب المعركة .. من عمامةٍ سوداء سكنت تراب كربلاء روحيا، نطق فقيه قم والنجف بنداء الحاكمية، لا ادّعاءً، بل استنادًا إلى النص والعقل والواقع.
فتحولت من الثورة… إلى المشروع .. لم تكن الثورة الإسلامية مجرّد غضبة شعبية، بل تجسيدًا لعقيدة البراءة من الطاغوت … لقد أعاد الإمام الاعتبار للثورة كوظيفة شرعية، لا كتكتيك سياسي.. من صرخة الإمام الحسين ع في عاشوراء، استلهم الخميني جوهر الثورة، فكان الحسين ع في قم، والنهضة في طهران، والصرخة في فلسطين.
فصار المشروع من الدولة… إلى دولة القائم .. أعظم ما في ثورة الإمام أنها لم تنتج دولة تقليدية، بل أرست ملامح “دولة الغيبة” الدولة التي يُمهد بها لظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه .. إنها دولة الفقيه الجامع للشرائط، لا الحاكم المستبد، دولة تعتمد فقه آل محمد، لا قوانين الغرب، وتقاتل الاستكبار، لا تتواطأ معه.
لقد أقام الإمام الدولة الإسلامية كـ”نموذج تمهيدي”، وبهذا المعنى، فإن الثورة كانت خطوة بين الغيبة والظهور، والدولة كانت جسدًا يُهيّئ لروح الغيب.
وهنا بين الغيبة والثورة والدولة… نعيش .. إنّ مشروع الإمام لم ينتهِ برحيله، بل بدأ من حيث الرحيل ، وامتدّ بوصاياه، وتمأسس في نهج خلفه الإمام الخامنئي دام ظله، وامتدّ إلى كل ساحة مقاومة .. واليوم، حيث يُقاتل المجاهد في فلسطين ولبنان والعراق واليمن، فإنّه لا يُقاتل فقط عن أرضٍ، بل عن عهدٍ قطعه الخميني قدس مع الغيب: أن لا يُترك المهدي وحيدًا حين يظهر.