طه سبع.. مقاومة القسوة والعنف

كنوز ميديا – بغداد

منذ عقود وهو يطارد كائنات خفية، مرة في حاضر معبأ بالألوان والمعاني، ومرات في ذاكرة بصريّة وذهنيّة أخاذة تطيح به إلى حيث يرى العالم لأول مرة، شيء ما، صورة أو فضاء أو لقطة بعيدة يراها وحده، تحتشد صوره في مهرجان من الألوان والتشكلات البصريّة والهندسيّة وتجارب تنوع حيث الحاضر الغني يمتزج بشكل اخاذ بالمكان والمدن والانتقالات والذاكرة المعبأة بالشجن والحنين.

هذا هو عالم طه سبع الذي يعد من الأسماء التشكيلية البارزة التي نشأت في العراق لكنها ازدهرت في الغربة، وشكلت تجربته الفنية تجسيدا حيا لمعادلة الاغتراب والانتماء، الحرية والرفض، بغداد ومراكش والذات والبحث عنها من خلال مزج اللون بالمضمون المعرفي والثقافي ليتشكل العالم بتعابير جديدة تختزل فلسفة وقيم ورسائل تصل الهنا بالهناك، الموضوع وعناصره بالألوان وتدرجاتها.

بدأ سبع اهتمامه بالفن في سن مبكرة، وكونه قد عاش في بيت عاشق للأدب والثقافة والفن، حيث كان أهم كنز تحرص الأسرة على رعايته وتنميته هو «المكتبة» التي كانت الكوة التي يطل بها على العالم. جال في مدن مختلفة، وخلص لتجربة محملة بذكريات لم تفارق أعماله التي يمزجها بخامات متعددة، وبأسلوب يجمع بين الانطباعية والتجريد والتعبيرات الرمزية، ما منح أعماله طابعا تأمليا عميقا.

*كيف تصف الرحلة الأولى، ذلك الخروج المبكر؟

-القرار أتى سريعا وأنا في بداية المشوار الحياتي قررت أن أمارس الترحال، ولعل السبب الذي أجده أمامي الآن البحث عن ما يتسع لخيالي الجامح. كان ذلك في «زهرة العمر كما يقال». ورغم مقولة نزار القباني كل العصافير لها منازل.. إلا العصافير التى تحترف الحرية فهى تموت خارج الأوطان فقد غادرت العراق ووجدت نفسي ومن دون اختيار بمدينة مراكش المغربية، وفي بداية الأمور كنت أظنها محطة قصيرة، حيث وفي منتصف سبعينيات القرن الماضي، وما تلاها كانت هناك موجة هروب ومغادرة للفنانين والأدباء وغيرهم باتجاه المنافي في الغرب، وفي العديد من البلدان بسبب القمع السياسي والتضييق على الحريات. لتبدأ رحلة من المنافي والهجرات التي مررت بها، لكن رغم كل هذا فإن هذه الرحلة أتاحت لي هذه التجربة فرص الاطلاع والتفاعل والنهل من مدارس الفن الحديث وتحاربه المتنوعة.

*بين تلك الواقعة البعيدة للخروج والحاضر الذي تعيشه هل ترى في الفن علاج لقسوة المنافي والغربة ومحنة الإنسان المعاصر؟

– بين زمن المغادرة ذاك واليوم مسافات شاسعة من الأمكنة والأزمان والجغرافيات والشخصيات والتجارب، وغالبا ما يبزغ السؤال لي كأني ابن أمس بعيد وليس ابن تجربة «الآن هنا»، سؤال الذاكرة والمكان الأول معقد وتراجيدي، لكنه يبقى حارا ومؤرقا وأيضا مشبعا ومحملا بالرموز والصور الحسية التي أحاول كفنان أن أعيد صياغتها وتشكيلها مجددا، وحوار عناصرها باللون والوجوه والحروف.. أحيانا حيث يقف متلقٍ أمام لوحتي بحثا عن شيء من ماضيه أو تاريخه أشعر أنني قد قدمت رسالتي، والذاكرة بوصفها محنة هنا لكنها تبقى منجما أصيلا لا غنى للفنان عنه بشرط تحويلها إلى مساحات شاسعة من الحرية والتجاوز والانعتاق.س222

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى