الصادقون الحكاية التي كتبتها الدماء 

بقلم _  الدكتور سعد محمود المسعودي

 

بين الحين والآخر، تجردت من أحلام اليقظة، وأبصرتُ رويدًا رويدًا… بين عَمَى القلوب وجلادةِ الجلاد.

وقفت أجيالٌ تلو أجيالٍ تصارع عطش السحاب، وسط غيومٍ ملبدةٍ بالماء، وإذا بصفرة التراب تخيِّم على ساقيها.

 

توحدت الآمال في تيه السنين، وضاعت تلك الابتسامة وسط تراب المقابر.

لا الثغر يعود لابتسامته، ولا الدمعة تعود لمحيا العيون.

دُفنت الأحلام والطفولة بسوط الجلاد، ونُزعت من جلودهم جلودٌ… أنين الثكالى، صراخ النساء، وروحُ الطفلة قد أثقلها التراب.

 

كيف لي أن أُديم رضاب قلمي بقلبٍ مزقته الليالي والأيام؟

وأنا أرى بأم عيني كيف ذبحوا البراءة بظلمهم، وقضوا على ما تبقّى من الحرث والنسل.

نعم!

إنها مقابرهم الجماعية التي ملأت المعمورة بلا رحمة.

ضاقت السجون رَحبًا، وازدادت نواقيس الظلام عتمة.

ضاقت الأرض بما رحبت، لكن خلف كل ضيقٍ، يتخلله فَرَج.

بعد انعدام الإنسانية، وهبَت رياحُ الطاغية المقبور، صدام اللعين، وبرز الجلاوزة لينقضوا على وجه المعمورة، فأحرقوا كلَّ ما يسير على الأرض، حتى كشرّت الأنياب، وبانت النواجذ.

 

خلف تلك الحقبات عقبات، ومن خلفها ويلات.

كنتُ جالسًا أستمع إلى حديث السماء، فانجذبت إلى كلمةٍ واحدة، أخذت مني فَصْلًا كاملًا من حياتي:

“إن مع العسر يُسرًا.”

 

وما إن انجلت غبرةُ الجلاد، حتى بزغت فتيةٌ قد منَّ الله عليهم بالشجاعة والبأس الشديد، فجاسوا خلال الديار.

تحوّل العراق إلى حديقةٍ عظيمة، اختلفت بها أنواع العطر.

 

زرع الشباب فيها مجدًا يليق باسم هذا البلد وحضارته، طرزوه بالدماء النقية، روَت تلك الدماءُ الأشجار والإنسان على حد سواء، لينعم بحياةٍ كريمة، أسوةً ببقية البلدان.

 

حملوا الهمَّ والغمَّ والقلوبَ بين أكفهم، وما زالت غبرةُ شُذّاذ الآفاق تتحرك.

جحافلهم نهضت لحماية ديمومة هذه النعمة، فكأنما أصبح العراق أمانةً في أعناق الشرفاء والمجاهدين،وامتدادًا طبيعيًا لثورة الأجداد.

 

نعم، إنهم الفتية الصادقون،الواجهة الحقيقية التي مثّلت البلاد خير تمثيل،وجعلت من العراق دولةً يُشار إليها بالبَنان، لتقف في مصاف الدول العظمى.

 

والمستقبل كفيلٌ بأن يُطَرّز تلك الأحقاب التاريخية

بخطوطٍ من الذهب الأحمر، ممزوجةٍ بأشرف الدماء وأطهرها وأقدسها.

 

فأنتم خيرة الناس، وأنتم العينة التي نسجها الله العظيم في خلقه، وكانت مثالًا للدين، وشريعةِ سيد المرسلين، ومذهبِ أمير المؤمنين (عليه السلام).

 

الصادقون قولًا وفعلًا.

شعاراتٌ أُطلقت، بأفعالٍ تجسدت على أرض العراق.

ولا يُنافسكم أو يُزايد عليكم أحدٌ في شرفكم وعراقيّتكم.

 

فإن الأمة لا تنهض إلا بعدّة أسباب، أقربها: العلم، والمعرفة، والجهاد في سبيل ما نعتقد به.

فالحقيقة، والعقيدة العصماء، هي ما انعقد عليه القلبُ واللسان.

 

نسأل الله في علاه أن يمنّ على العراق العظيم بالأمن والأمان والاستقرار، وأن ننعم في ظلِّ “الصادقون” في سوح المقاومة السياسية، التي أصبحت الأمل المنشود، والإرث الخالد، والتمثيل الحقيقي بين أوساط وأرجاء المنصات السياسية المقبلة، إن شاء الله.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى