مصائد الموت
بقلم _ خلود همدان
في ذُروة العدوان الغاشم والمتواصل على قطاع غزة، يُمعن العدو الإسرائيلي في قتل الفلسطينيين بمختلف الوسائل وأنواع الأسلحة، مُتمرسًا في صناعة الواقع المأساوي، ويستخدم ورقة المساعدات أداةً للقتل والإذلال في جريمة غير مسبوقة في العصر الحديث، ويحوّل نقاط توزيع الإغاثات إلى “مصائد موت” ضد المدنيين، ويوظف الجوع كسلاح حرب يقتل به أبناء الشعب الفلسطيني المظلوم.
ما يُطلق عليه “مساعدات إنسانية” باتت تُستخدم كأداة لاصطياد الأرواح البريئة. ينتظر المدنيون لساعات طويلة، في طوابير الجوع والخوف، ليُفاجَؤوا برصاص القناصة أو بانفجار العبوات المزروعة حول نقاط التوزيع. لا شيء يُمنَح دون مقابل من الذل والدم.
لقد أصبح مشهد الأطفال وهم يركضون نحو شاحنة طحين أو مياه مشهدًا دامغًا لجريمة مُخططة وممنهجة، ترعاها عقلية استعمارية لا ترى في الإنسان الفلسطيني إلا هدفًا للقنص والتصفية.
وليس غريبًا أن يترافق ذلك مع صمت دولي مريب، وتقارير أممية باهتة لا ترتقي لمستوى الجريمة. فالعدو لا يخشى شيئًا أكثر من تسليط الضوء الحقيقي على وحشيته، لذا يجهد لإبقاء الجوع كقيد، ويجعل من الخبز والدواء أدوات للهيمنة والقتل.
أمام هذه الوحشية، يُعيد الفلسطينيون صياغة معنى الكرامة، ويثبتون أن الصمود في وجه “مصائد الموت” هو أيضًا شكل من أشكال المقاومة، وأن من لم يمت بالقصف، لن يموت جوعًا أو إذلالًا، بل سيحيا حاملًا قضيته حتى يتحقق النصر أو الشهادة.
ورغم الحصار والجوع، لا تزال غزة تحيا. تحيا بعزة الموقف، وكرامة الصمود، وشموخ الثبات. لا زالت الأمهات تُطعم أبناءها بما توفر، وتغرس فيهم حب الأرض والتمسك بالحق، بينما ينام العالم على وسائد الصمت والتخاذل.
إن ما يحدث في غزة اليوم من تحويل المساعدات إلى مصائد للموت ليس مجرد تجاوز أخلاقي أو خرق للقانون الدولي، بل هو سياسة ممنهجة لكسر الإرادة وتدمير الروح الوطنية. وما يفاقم الجريمة أن كثيرًا من وسائل الإعلام تغض الطرف، أو تنقل الرواية كما يُمليها المحتل، متجاهلة دماء الضحايا وصرخات الأحياء تحت الركام.
إنها ليست مساعدات، بل رسائل موت مغلفة بأكياس الطحين، ومرسلة إلى من لا يملكون إلا الانتظار. ولكن غزة لا تموت، ولا تقبل الركوع. فكل طفل فلسطيني يقف في طابور المساعدات، هو مشروع شهيد، وشاهد على وحشية لا ينساها التاريخ.
ويبقى السؤال: إلى متى يستمر هذا الصمت؟ إلى متى سيظل العالم يرى الموت يُوزع في شاحنات باسم “الإغاثة” دون أن يتحرك؟ ومتى تتحول المواقف الرسمية من بيانات تنديد خجولة إلى تحرك حقيقي يضع حدًا لتلك المجازر المقننة؟
في النهاية، لن تنتصر مصائد الموت، ولن يُهزَم من شبّ على حقه وتربّى على حب الحرية. وغزة، كما عهدناها، ستظل تصنع من كل جرحٍ راية، ومن كل مأساة ملحمة، ومن كل طابور موت، شمسًا تُضيء درب العودة والكرامة.
#اتحاد_كاتبات_اليمن