غياب البصيرة لا يعني غياب الحقيقة: إيران والمواجهة الكبرى ضد أعداء الإسلام

بقلم _  د. أحمد صدام كاظم الساعدي

باحث في الشؤون السياسية

 

في الوقت الذي تتصاعد فيه موجات الغضب الشعبي في أغلب المحافظات العربية والإسلامية، احتجاجًا على العدوان الصهيوني ومجازر الاحتلال الإسرائيلي، يلاحظ المراقبون أن تلك المظاهرات، وعلى امتداد ساحات الاحتجاج، خالية من أي حضور رمزي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، سواء عبر أعلامها أو صور قياداتها، وعلى رأسهم الإمام السيد علي الخامنئي.

والسؤال المحوري هنا: لماذا تغيب رموز الجمهورية الإسلامية، رغم كونها الطرف الوحيد الذي يحمل السلاح فعليًا في وجه الكيان الصهيوني، ويدعم المقاومة بلا تردد، ويقف بصلابة ضد الهيمنة الأمريكية والبريطانية والغربية؟

 

هذا الغياب لا يُعبر عن رفض لدور إيران، بقدر ما يكشف عن غياب في البصيرة عند كثير من الناس، وتشويش متعمّد في الوعي العام، سببه حملات إعلامية شيطانية ومواقف سياسية مأجورة، جعلت من الجمهورية الإسلامية خصمًا في أعين البعض، وهي التي وقفت، وما زالت، في خط الدفاع الأول عن كرامة الأمة ومقدساتها، دون تمييز بين سني وشيعي، أو عربي وعجمي، أو مشرقي ومغربي.

 

إن من يفتّش عن الحقيقة في ضوء الوقائع لا في ظلمة الأوهام، يُدرك أن إيران هي الدولة الوحيدة التي تُقاتل المشروع الإمبريالي الغربي الصهيوني البريطاني بشجاعة وثبات، وبلا مساومة. لقد وقفت وحدها مع فلسطين حين تخلّى عنها الكثير، ودعمت حركات المقاومة في غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن، حين تواطأ العالم العربي الرسمي، وهرول كثيرون إلى التطبيع العلني والسري.

 

لكن آلة الإعلام المعادية، المموّلة من العواصم التي باتت حليفة للصهيونية، اجتهدت على مدى سنوات في شيطنة إيران، فحوّلتها في وعي السطحيين والجهّال إلى “عدو طائفي”، رغم أن إيران لم تميّز يومًا بين مقاوم شيعي أو سني، ولا بين مظلوم عربي أو أعجمي. دعمت الفلسطينيين، وكلهم من أهل السنّة، واحتضنتهم حين خذلتهم عواصم النفط والبذخ.

وهل كانت سرايا القدس وكتائب القسام والجهاد الإسلامي لتقف بوجه الآلة الإسرائيلية لولا الدعم العسكري الإيراني؟ وهل كان حزب الله ليصنع نصر تموز 2006 لولا الخبرات والسلاح الإيراني؟ وهل صمدت دمشق في وجه التكفير لولا الظهر الذي وفرته طهران؟!

 

أي بصيرة تحتاج الأمة أكثر من هذا؟

أليس من يقرأ التاريخ يدرك أن اليهود والصليبيين والغربيين عمومًا هم أكثر من أوجعوا جسد الأمة طعنًا وتمزيقًا؟

لقد زرعوا الكيان الصهيوني، وخربوا بلاد الشام، واحتلوا العراق، ونهبوا ثرواتنا، ونشروا الفتن الطائفية، ودعّموا الجماعات المتطرفة، وأشعلوا الحرائق في كل مكان باسم “الحرية والديمقراطية”، وهم بعيدون عنها كما السماء عن الأرض.

 

إن أكثر من خمسين آية في القرآن الكريم تتحدث عن عداوة اليهود للمسلمين، ومكرهم، وخبثهم، وفسادهم في الأرض، ومع هذا نجد اليوم من يُبرّر للصهيونية أو يسكت عن جرائمها، لكنه يتطاول على الجمهورية الإسلامية، لأنها فقط قالت: “لا” للمشروع الأمريكي، وقالت: “نحن مع فلسطين والقدس والمقاومة”.

 

الذين لا يرفعون صور الخامنئي في المظاهرات، ليس لأنهم لا يعرفون موقعه في خندق المقاومة، بل لأنهم يخافون من التهم الجاهزة، ومن سُمّ “التبعية” الذي زرعته قنوات الخليج، وهم لا يدركون أن الحقيقة لا تُلغى بالتشويه، وأن من يقف في ساحة المواجهة هو وحده من يستحق أن يُكرَّم ويُرفع اسمه، لا أولئك الذين تاجروا بالدم الفلسطيني، وباعوا قضايا الأمة في سوق الخيانة.

 

إنني أدعو كل مسلم ومؤمن وغيور على دينه أن يُعيد حساباته، وأن يقرأ الأحداث بعين البصيرة لا ببصر خادع.

واعلموا، يا مؤمنين، ويا أحرار هذه الأمة:

إن إيران تقاتل نيابة عنكم، وتتحمل العبء الأكبر من الحصار والتآمر، لأنها رفضت أن تكون ذيلًا لأمريكا، أو بوابة للعدو.

صبرًا، أيها المؤمنون، فإن يوم الفصل قريب، والعالم يُدرك الآن أن هناك محورًا واحدًا يُرعب الغرب والصهيونية، وهو محور المقاومة، وسيفه إيران.

وسيتضح للناس أن من صبر اليوم، وثبت في الموقف، هو من سيرفع راية العزة في الغد، بإذن الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى