شعارات الرباط.. وصمت غزة: أين قرارات منظمة التعاون الإسلامي؟
بقلم _ حسين بن محمد المهدي
(وَ إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ أَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)
الأمة الإسلامية أمة واحدة، يرتبط أبناؤها بعضهم ببعض برابطة فطرية بشرية، ورابطة روحية دينية.
أما الرابطة الفطرية فهي الرابطة البشرية التي أرشد إليه القرآن: (ياأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً). وأما الرابطة الروحية فقد بينها القرآن وأوردها بصيغة الحصر، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). وَكِلَا الرابطتين تقتضي: المحبة، والمودة والإخاء، وحسن التعامل، والتناصر، والتعاون على البر والتقوى، ووجوب الإتحاد، واستشعار الإخوة، وأن لا تحول دون هذه الواجبات رابطة اللغة والبيئة؛ فالإسلام فوق ذلك كله. فالمسلم أخو المسلم أينما كان، يصله إذا انقطع، ويعينه إذا احتاج، وينقذه إذا وقع في ملمة “المؤمن للمؤمن كالبنان او كالبنيان يشد بعضه بعضا” وثمرة هذا كله الإتحاد.
فيجب أن يكون للمسلمين جميعا وحدة سياسية، ووحدة اقتصادية ومن لازم ذلك أن المسلمين جميعا عليهم أن يعتبروا الاعتداء على اي دولة إسلامية اعتداء على المسلمين في كل الدول الإسلامية.
وإذا عدنا إلى الهدف الاول من أهداف منظمة التعاون الإسلامي في أول قمة لها في الرباط، وجدناه ينص على: “توحيد الصف الإسلامي للدفاع عن القدس وقبة الصخرة”. وعلى هذا الأساس فلا يجوز أن تحترق غزة ويكون دور منظمة المؤتمر الإسلامي تجميل فشل اعضاءها
فتوحيد الصف الإسلامي من لازمه أن يعتبر الاعتداء على أي دولة إسلامية إعتداء على المسلمين جميعا في مشارق الأرض ومغاربها، فعلى كل دولة إسلامية أن ترد على الإعتداء، فقد قاتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرومان لأنهم قتلوا بعض الذين دخلوا في الإسلام، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه”. وهذا مقتضى الولاية التي تربط المسلمين بعضهم ببعض. وهاهي الصهيونية اليهودية تعتدي على شعب فلسطين وعلى شعب إيران المسلم ليل نهار على مرأى ومسمع من العالم، وتحتل القدس الشريف، فقد آن الأوان لمنظمة المؤتمر الإسلامي أن تترجم قراراتها وماجاء في أهدافها إلى واقع عملي ملموس، وأن يعملوا على منع اذلال المسلمين في فلسطين، وأن يتظافر المسلمون لإخراج الظالمين من أرض الإسلام، الذي يفرض فيها المحتل الصهيوني طغيانه وكبرياءه على اخواننا في فلسطين، وأن يقتدوا بالجمهورية الإسلامية في إيران والجمهورية اليمنية، وبدون ذلك فإن الدول الإسلامية لا تكون آخذة بمبادئ الإسلام، ولا مطيعة لأوامر الرحمن، الذي يامرهم بالاعتصام بحبله المتين وإظهار الإخوة في الدين، كما يقول سبحانه: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)، فالأمر بالاعتصام بحبل الله تعالى يقتضي الوجوب، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
لقد نفى القرآن اختيار المكلفين أمام أمر الله وأمر رسوله، فقال سبحانه: (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً). فتهديد الله على المخالفة عن أمره، ونفي إختيار المكلفين أمام أمره وأمر رسوله يترتب عليه المؤاخذة لعدم الانقياد لأمره، فضلاً عن كون التهديد يدل على التحريم: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
وإذا كانت منظمة المؤتمر الإسلامي عند نشأتها قد عنيت بوحدة المسلمين، -كما هو مصرح في أول قمة لها- فالمؤمل أن تسعى إلى إحكام رابطة الإخوة وتطبيقها في الواقع العملي، وتعزز هذه الرابطة عندما تكون المنظمة قد جسدت مبدأ الإخوة والحرص على صيانتها من أن تتعرض لمعاول الهدم والتفريق، أو إيجاد خصومة بين المسلمين بسبب خلافات فرعية لا يجوز للمسلم أن يثيرها، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ).
فإن الإختلاف والتنازع فتنة نهى عنها القرآن العظيم؛ لأنها تكون سببا للفشل: (وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ). (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ).
فما من شك ولا ريب في أن الله يريد من المسلمين وإن اختلفت ديارهم وتباينت أوطانهم أن يكونوا إخوة متحابين متعاونين متناصرين، ويشهد لذلك قول العزيز الحكيم: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ).
وما دامت المنظمة قد انشئت على اساس توحيد الصف، وتحرير المسجد الأقصى فإنه من المناسب أن تترجم ذلك إلى واقع عملي، فالمؤمن ينأى بنفسه أن يقول مالا يعمل: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ).
إن مصلحة المسلمين الدنيوية، ومصلحة المنظمة السياسية، أن تبذل جهوداً يكون من شأنها قوة المسلمين وعزتهم فلو استعمل أعضاء هذه المنظمة جهودهم من أجل صد العدوان الصهيوني وأعلنوا تضامنهم وتعاونهم مع شعب فلسطين والجمهورية الاسلامية في إيران والجمهورية اليمنية وحزب الله في لبنان، واتبع اعضاء المنظمة ذلك خطوات عملية سياسية وعسكرية وثقافية، ووجهوا اعلامهم المسموع والمقروء والمرئي من أجل تحفيز الأمة الإسلامية، والعالم الحر للوقف ضد هذا العدوان الصهيوني الأرعن، لأوقفوه بالقوة التي تتطلب دفعه، وهم بذلك يكونون قد ضربوا مثلا أعلى في الحفاظ على حقوق الإنسان والدفاع عن كرامته، والنصر لشريعة الله، والاخوانهم المعتدى عليهم. إن قوة قرار منظمة الدعوة الإسلامية ستكون محل إعزاز وفخر للمسلمين ان هي تصدت بقوة لانقاذ الشعب الفلسطيني وتحرير القدس وإعلان نصرة الشعب الإيراني المسلم والوقوف معه، واعلنت رفع الحصار على اليمن. (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ). العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.